صدق ياسر عرمان حين قال أنه لا يوجد حل سياسي يلوح في الافق في ظل العنف تجاه الثوار في الشارع، واستمرار اعتقال السياسيين والمتظاهرين السلميين، وعدم اطلاق من هم أسرى الحبس لأسباب سياسية تحت غطاء قانوني، مثل وجدي صالح وعبدالله سليمان وتوباك ورفاقه والآخرين، فأي حوار أو تفاهمات أو عملية سياسية تلك التي يمكن أن تمضي وتنتج حلا، في أجواء ومناخات العنف والقتل والسحل المتواصلة وغير العابئة بما يجري من محاولات حثيثة لحل الازمة المتطاولة، ومن هو عديم الاخلاق فاسد الضمير وفاقد للوطنية، هذا الذي يقبل ان يمضي في تفاوضات وتفاهمات مع العسكر، ورائحة الدماء المسفوكة تعبق في الأجواء وأرواح الشهداء تحلق فوق الرؤوس، فالقضية الاساسية الان هي ضرورة وقف العنف فورا، ومنع استمرار اراقة الدماء، واطلاق المعتقلين كافة، أما بغير ذلك فلن يكون لأي حوار أو تفاهمات أو تسوية أي معنى ومصيرها الفشل، ولن تورث شيئا سوى ضياع الوقت وتأزيم ما هو متأزم أصلا، ويكشف ان العسكريين يستخدمون التفاوض فقط كمجرد تكتيك لكسب الزمن وفرض الأمر الواقع، هذا طبعا فضلا عن ان أيما تسوية أو معادلة أو اتفاق يخالف ويتجاوز رغبات وآمال وتطلعات الشعب والشارع ويحقق أهداف الثورة كاملة غير منقوصة، يبقى معزولا وسيجد رفضا قويا ومناهضة شرسة ومستمرة، ولن يقبل الشارع الثوري بأية مساومة أو اتفاق يبيع دماء الشهداء السابقين منهم واللاحقين، ولا يتسامح مع من يتنازلون عن القصاص للشهداء فأرواحهم ليست محل مساومة مهما كان.. ان استمراء عسكر الانقلاب للعنف والقتل والاستمرار فيه، وفي نفس الوقت يناورون بعملية تفاوضية، يستعيد للذاكرة الحكاية التي انتجت مثل (كيف نعاودك وهذا أثر فأسك)، وأصل هذا المثل يقول أن أخوين كانا في إبل لهما فأجدبت بلادهما، وكان بالقرب منهما واد خصيب وفيه حية تحميه من كل أحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان، لو أنى أتيت هذا الوادي المكلئ (الملئ بالكلأ) فرعيت فيه إبلي وأصلحتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أن أحدا لا يهبط ذلك الوادي إلا أهلكته، قَال: فوالله لأفعلَن، فهبط الوادي ورعى به إبله زمانا، ثم إن الحية نهشته فقتلته، فقال أخوه: والله ما في الحياة بعد أخي خير، فلأطلبن الحية ولأقتلنها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي وطلب الحية ليقتلها، فقالت الحية له: ألست ترى أنى قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي تكون فيه وأعطيك كل يوم دينارا ما بقيت، قال أو فاعلة أنت، قالت: نعم، قال: إني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضرها، وجعلت تعطيه كل يوم دينارا، فكثر ماله حتى صار من أحسن الناس حالا، ثم إنه تذكَر أخاه فقال: كيف ينفعني العيش وأنا أنظر إلى قاتل أخي، فعمد إلى فأسٍ فأخذها ثم قعد للحية، فلما مرَت به تبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجحر، ووقعت الفأس بالجبل فوق جحرها فأثرت فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار، فخاف الرجل شرَها وندم، فقال لها: هل لك في أن نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه، فقالت كيف أعاودك وهذا أثر فأسك..فهل يمكن الوثوق بالبرهان مجددا والتواثق معه وآثار فؤوسه لم تنقطع..
صحيفة الجريدة