قوى الانتقال ودكتاتورية التسمية
تسمية “قوى الانتقال” تسمية رديئة بكل المقاييس، وتخالف قواعد اللغة القديمة بخصوص ( الاسم والمسمى ) واللسانيات الحديثة ( الدال والمدلول )، وتخالف العرف السياسي :
▪️ تحمل التسمية كثيراً من روح التحكم والوصاية والأبوية السياسية، وتعطي فكرة سيئة عن طبيعة العلاقة بين المعنيين بها وقحت المركزي، فالمركزي تصرف مع القوى المعنية بها وكأنها شيء أو كائن غير حي يسميه غيره، أو كأنها من أبنائه أو أشيائه الخاصة التي يقوم هو بتسميتها، في سابقة هي الأولى في تاريخ السودان توضح مستوى الدكتاتورية المركزية .
▪️ التيارات المعنية بالتسمية داخل هذه القوى لم تعلق سلباً ولا إيجاباً على الاسم المختار لها، ولم تستخدمه في بيان حزبي أو مشترك، ربما في احتجاج صامت لا تجرؤ على أكثر منه ..
▪️ التسمية، كما شرحتها قحت المركزي، وكما شرحت أسبابها، جاءت من أجل شرعنة التراتبية وإعطائها عناوين، ومن أجل تقنين “التمييز السلبي” لقوى الدرجة الثالثة على عكس ما تحمله التسمية من كرم لفظي بلا قيمة فعلية ..
▪️ حسب التراتبية التي وضعتها قحت المركزي، وحسب مضامين مواثيقها، فهي أحق بهذه التسمية من غيرها لأنها صاحبة “الجلد والرأس” في أمر الانتقال الذي تريده، ولهذا تفقد التسمية الوظيفة التمييزية الحقيقية للأسماء، فهي لا تحيل بصورة تلقائية ومقنعة – وبشكل حصري – إلى القوى المسماة. بل إنها آخر من تشير إليها تسمية كهذه .
▪️ تفقد هذه التسمية شرط الاتفاق العام وثبوت المدلول ومعناه، فالرابط بين الدال والمدلول يجب أن يَخضع للتواضع العام والعرف، وهي بهذا تخالف فكرة أن تكون التسمية دالة على المعنى، وأن تكون مستعملة في مجتمع سياسي يفهمها بسهولة.
▪️ إذا استحق هذه التسمية من ينحصر دورهم في أمر الانتقال على التحفظ على بنود مهمة في الوثيقة الدستورية، والتمثيل الرمزي في البرلمان، والمشاورة – ربما غير الملزمة – في اختيار الوزراء، والتي قد تنتهي أيضاً إلى التحفظ، قياساً إلى الدستور ، فماذا تستحق القوى التي تملك كل أمر الانتقال : تسمية القوى الفوق انتقالية أو السوبر انتقالية أم ماذا ؟
▪️ وإن قيل إن تسميتها المعلنة هي “قوى الثورة”، فهذا لا يصنع الصفة التمييزية العادية – غير السلبية – لتسمية قوى الانتقال، فالمركزي يترجم تسمية “قوى الثورة” إلى امتلاك شبه كامل لأمر الانتقال، وبالتالي يظل هو الأحق بتسمية قوى الانتقال .
▪️ وحتى إن قيل إن التسمية لا تنبني على الأدوار أثناء الانتقال، وإنما على “الخدمات” التي تساهم في التمهيد للانتقال كما يراه المركزي، فإن التيارات المتسايرة داخل الأحزاب المعنية لم تلبِّ كامل مواصفات المركزي، أي ( تسمية فض الشراكة بالانقلاب، والتوقيع على وثيقة المركزي، وعلى ميثاقه السياسي )، فالاتحادي الأصل وأنصار السنة لم يعتبرا فض الشراكة انقلاباً، ورئيس أنصار السنة قال إنهم لم يوقعوا بعد، وكمال عمر قال إن تحفظهم على مدنية/علمانية الدولة تحفظ جوهري وإنهم قد ينسحبون من التسوية إن لم يستجاب له.
▪️ وحتى إن قيل إن كل هذا لا يثبت عدم قبولهم بأكثر مما يثبت تخديرهم لعضوية أحزابهم، ستبقى الحقيقة هي أن الأغلبية في هذه الأحزاب تعارض التسوية الثنائية معارضة مؤسسية وتعارض التسمية وما تحمله من تمييز سلبي بعكس منطوقها .
▪️ كان الأفضل للمركزي أن يترك أتباعه بلا تسمية، أو يعطيهم حرية تسمية أنفسهم، أو أن يخترع تسمية مشتركة تجمعهم به، وذلك ما كان سيؤثر سلباً على التراتبية التي ألزمهم بها، وإذا كان لا بد من تمييز حتى في التسمية، ولا بد من إدخال كلمة الانتقال فيها، فإن تسمية “سِنِّيدة الانتقال ” أو “كومبارس الانتقال” ستكون مطابقة بدقة لحال المسمى ولوظيفته وأدواره التي حددها المركزي، وستلبي الشروط اللسانية للعلاقة بين الدال والمدلول .
إبراهيم عثمان