لقاء الرئيس البشير والدكتور الترابي المرتقب يوم الأربعاء، اهتمت به الصحف ووسائل الإعلام أكثر مما يجب، كأنه يجب ما قبله، ويجعل السفينة ترسو على الجودي، فهو ليس اللقاء الأول منذ المفاصلة كما يقال، فقد سبقته لقاءات لم تعلن، ولم يمط اللثام عما دار فيها.. فمسؤول كبير في المؤتمر الوطني ومن أركان الحكم، ذكر في لقاء خاص قبل أيام قلائل أن البشير والترابي التقيا خلال الفترة الماضية عدة مرات..
اللقاء في كل الأحوال لقاء مهم بلا شك، مثل كل لقاءات الرئيس بالقوى السياسية الفاعلة عقب مبادرته وخطابه الأخير، ولن يكون مطروحاً فيه غير المواقف المعلنة أصلاً، والتأكيد على أهمية الحوار والوفاق الوطني، وتقريب المتقارب والمتفق عليه وإقصاء النقاط الخلافية وتجنب تركها تعكر الأجواء الحالية التي بدا فيها الدكتور الترابي وحزبه هم الأشد قرباً من المؤتمر الوطني بعد أن كانوا يشعرون بمضاضة ظلم ذوي القربى.
لكن مسؤولية الدكتور الترابي تبدو عسيرة للغاية وهو يحاول أن ينقل كل عضوية حزبه من مربع المرارات السابقة والمواقف المتصلبة الرافضة، إلى فياحٍ جديدة مثل السهل المنبسط ملأى بالتسامح والعفو وبياض القلب والنية.
ومن السابق لأوانه التحدث عن أن اللقاء سيطوي كل الصفحات السابقة، لكنه بلا شك يفتح مشكاة ينفذ منها ضوء التعقل والحكمة في العلاقات السياسية بين فرقاء الساحة.
وغير خافٍ أن الدكتور الترابي فهم وتفهم المرحلة الحالية بكل أبعادها، وتيقن من ملامح المستقبل برؤية استشرف فيها الكثير من الحقائق، لكنه في ذات اللحظة لن يعطي المؤتمر الوطني «شيكاً على بياض».. فخطواته الجريئة الحالية وإغضابه حلفاءه في تحالف المعارضة وفراق حزبه لهم لن يكون بلا ثمن!!
وهناك عدة قضايا لا تحتمل التأجيل والتسويف، وهي شروط صحة لازمة لأداء واجب الحوار والتوافق الوطني، ولكن الأطر التي يتم فيها هذا الحوار والوفاق لن تكتمل إلا بحسمها ورسمها بمعالمها كاملة.. ويركز الترابي وحزبه عليها، فقضية الدستور والانتخابات المقبلة وكيفيتها وقانونها، والحريات العامة وتنظيمها وتشريعاتها وفضاؤها المتسع للجميع وضوابطه، مسائل تشغل الترابي وهو يتحسس تضاريس المرحلة المقبلة بعد أن مد المؤتمر اللوطني يده نحو الجميع.
ويدرك الترابي أن اللقاء العلني مع الرئيس ذو كلفة سياسية عالية يتوجب سدادها لحزب معارض كان في حالة الاشتداد والغلواء والغلو في معارضته، وينعطف انعطافاً هائلاً نحو الاتجاه المعاكس، فإن لم يجد بغيته وما يريده، صار مثل طائر الفينيق يحترق وهو محلق في سماء الأمنيات بالوفاق ويطمر نفسه في رماد التجربة التي خاضها لينتظر انبثاق جديد وحياة أخرى.
ولا بد من أن تنظر الأحزاب حتى المعارض منها والمتشبث بضرورة إسقاط النظام، لهذا اللقاء من زاوية واحدة، فما يتمخض منه لن يحول الليل إلى نهار، ولا «الطرة.. كتابة» لكنه يعطي إشارة بأنه لا توجد أشواك في الطريق، وأنه لا صحة لوجود حقل من الألغام داخل بيدر المؤتمر الوطني!!
إذا أفلح الرئيس في نقل الترابي وحزبه وبقية الأحزاب العاقلة من تحالف المعارضة إلى مربع جديد وبخطوات عملية واضحة وجريئة، فإن الساحة السياسية والسودان كل يقف على تلة عالية ينظر لشمس جديدة مشرقة، ولن يكون الوضع فيه كما كان .
أما إذا أخفق اللقاء في تمهيد الطريق وتعبيده نحو الانفراج الكامل بمشاركة الجميع وعلى رهانات كلية وحلول متكاملة وليست جزئية، فسيكون مصير الحوار الوطني وآفاقه قد ذهبت مع الريح وأدراجها.. وسينتظر الناس معجزة أخرى في زمن قلت فيه المعجزات بل انعدمت.
ومهما يكن من أمر فلن يرتفع سقف الأمنيات بلقاء يجمع القيادتين، وسيكون هناك شيء.. في أي اتجاه؟ الله يعلم!!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة