وهو عنوانٌ مستمد من قصة نبي الله سليمان مع عرش بلقيس كما رواها الحق..
ثم ينسحب على قصتنا هذه اليوم..
وأظنها – القصة هذه – من بين ما نظر فيها عالم النفس علي بلدو من قصص..
فهو مُتخصِّص في قصص الباراسايكولوجي..
وبطل قصتنا هذه داهمته هذه (الحالة) على حِين غفلةٍ من وعيه… أو عقله الواعي..
حالة إحساسه المُخيف بأنّه ما عاد (هو)..
أو كأنّه هو غير أنّه ليس هو… ويُذكر جيداً كيف أن بدايتها كانت قرصة في ذراعه..
فحين هب من نومه ليصلي الفجر وجد الفجر..
ولكنه لم يجد نفسه… بل وجد كل شيء كما هو… حتى زوجته وجدها كما هي..
أو صورتها بجانب سريره… فهي ما عاد لها وجود..
ولم يبلغ – على أية حال – حالة ذاك الذي سأل زوجته عند استيقاظه: من أنتِ؟..
إلا هو لم يعد (هو)… ولم يجد نفسه..
ويذكر كذلك كيف أنه أحس بألم القرصة… ولكنه لم يحس بذراعه تتبع له هو..
أو ربما أحس بها… ولكنه لم يحس بعقله..
أو قد يكون الذي لم يحس بوجوده – وذراعه – هو إحساسه بوجوده هو ذاته..
وفتح المصحف ليصادف آيةً وقف عندها كثيراً..
آية (فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو)؛ فذُهل..
ومثل إجابة بلقيس كانت إجابته هو عن سؤال وجهه لنفسه بشأن (عرشه)..
عرشه الذي كان على (ماء أحلام)… فتبخر..
ثم انتظره ليتكثف… ويتجمّع… ويبرق… ويرعد… ويهطل عليه واقعاً ندياً..
ولكن انتظاره طال مثل طول ليل العاشقين..
وأضحت لياليه كلها بمثل حلكة… وظلال… وسواد… (حِنَّة الليلة ديك) في الأغنية..
ومنذ فجر الليلة (ديك) لم يعد هو (هو)..
أغلق المصحف… ودخل حمامه الصغير… ونظر إلى وجهه في مرآته المشروخة..
عكس له الشرخ وجهاً أشد أُلفةً من الذي يألفه..
كان متغيراً نعم… ولكنه بدا له حقيقياً… حقيقياً بأكثر من الذي أُعجبت به زوجته..
أو كانت تُعجب حين كانت حبيبته… قبل الزواج..
ثم لم تعد تُعجب منذ أن أعجبها المسؤول… والذي طلبت من أجله الطلاق..
فكان لها ما أرادت… وما أراد… وما لم يرد (هو)..
فكان العامل هذا أحد أسبابٍ جعلت منه كأنه هو… وليس هو..
والمسؤول السياسي هذا – هو في الوقت ذاته – مدير زوجها في الوزارة..
ولعن أياماً كان يدعوه فيها إلى مُناسبات أهله..
فلولاها – الدعوات هذه – لما رأى زوجته… ولما أُعجب بها… ولما أُعجبت به..
ولما طارت منه – الزوجة… الطليقة – إليه..
كما طارت ترقيةٌ هو أحق بها إلى واحدٍ من أقرباء المسؤول هذا… غير ذي إنجاز..
ومع مرور الأيام أخذ يشعر بأن شيئاً فيه يتغيّر..
وطفقت حَالة أنه ما عاد (هو) ترسم ملامحها على عقله… وقلبه… بل وحتى وجهه..
وصار يتجنّب النظر إلى مرآته المشروخة..
فلما بلغ به التغرُّب – عن نفسه – مبلغاً أليماً قرّر أن يثور ولو مرة في حياته..
ثورة على أرض الواقع… لا فضاءات الأسافير..
وهو المعروف – على الدوام – بالدماثة… والوداعة… واللطافة..
ثم يضع حداً (حزيناً) لحياته هذه… فما عاد لما تبقى منها معنى… ولا هدف..
قرر أن يصفي حسابه مع المسؤول..
فتأنق صباحاً كعادته… ثم ألقى نظرةً أخيرة على وجهه في المرآة..
فبدا لنفسه كأنه هو… وليس هو… فلم يكترث..
وتأبط شراً وذهب إلى المسؤول… ولكنه مُنع من مقابلته رغم تعريفه بشخصه..
ورغم أنه ما كان يحتاج إلى تعريفٍ بنفسه أصلاً..
فمديرة مكتب المسؤول تعرفه منذ أن كان محباً… ثم زوجاً… ثم طليقاً… ثم كئيبا..
بيد أنها صدته هذه المرة… على غير عادتها..
وعلى مرآة المصعد واجهه وجهه… أو واجه هو وجهه..
فتذكر جملة قالتها مديرة مكتب المسؤول وهو خارجٌ من عندها مغاضباً..
قالت: سبحان الله..
كأنه هو!.
صحيفة الصيحة