أهملت الحكومة جانب المكافحة لأخطر واحدة من آفات هذا العصر المتعددة؛ ونستطيع القول إن الجهود الرسمية لم تكن بالمستوى المطلوب لمكافحة المخدرات؛ ولم تكن الحكومة بحجم المظلمات الاجرامية والعصابات التي تعمل في هذا المجال و(تهدم) قيم المجتمعات وتستهدف الشباب؛ لتدمير الدول والمجتمعات التي يكون الشباب هم سداها ولحمتها.
المحزن أن السودان اصبح واحدة من افضل (الوجهات) لهذه العصابات.. لأنه يستخدم كأرض معبر كما اكدت التقارير؛ وفي ذات الوقت أرض استهلاك خاصة في السنوات الأخيرة.. واتضح أن (الجهد الرسمي) المبذول في حرب هذه العصابات الخطيرة؛ هو جهد (دون المستوى)؛ لأن هذه العصابات تفوق في قدراتها (الذكائية) قدرات الدولة بفراسخ واسعة.
واذا استطاعت الدولة ممثلة في شرطة المكافحة ومباحثها وامنها؛ ودعمها السريع أن تضبط عدداً من العمليات أو تفسد ادخال شحنات عبر المطارات والموانئ السودانية؛ فان عشرات العمليات المماثلة قد تكون نجحت في الدخول الى الاسواق والمروجين والمتعاطين؛ والمخدرات ظلت مادة دسمة لوسائل الاعلام ؛ ولا يخلو يوم دون أن يطرق أذننا خبر عن ضبطية أو احباط عملية.
بل أن الأمر تعدى ذلك عندما أعلن وزير الداخلة اللبناني قبل أيام ضبط قواته لأكبر عملية تصدير (حبوب مخدرة) في الموانئ اللبنانية؛ وكانت وجهتها السودان.. الغريب ان السلطات السودانية لم تعر الموضوع أدنى التفاتة؛ ومر كأن لا يعني شيئاً.. وتخيلنا وقتها أن توفد وزارة الداخلية وفداً الى لبنان يقف على حقيقة هذه (الضبطية).. ومن الذي يقف خلفها؟ من العصابات والمنظمات الاجرامية؟.. الا أن ذلك لم يحدث.
صحيفتنا هذه لا يمر يوم دون أن تنشر خبراً خاصاً بالمخدرات.. بل ان الاستاذة (هاجر سليمان) تناولت هذا الموضوع أكثر من مرة بالكتابة والتعليق .. وكشفت في (تحقيقات استقصائية) عبر مصادرها ان السودان مستهدف من عصابات دولية متعددة بعضها عربي وبعضها في أمريكا اللاتينية.. ولا بد أن هذه العصابات وجدت في السودان (سوقاً جيدة) لترويج هذا (السم الهاري) الذي يضيع الشباب.
والمخدرات من المعروف قد تكون ضرباً من الحرب؛ ضد (امة بعينها) لأنها تضرب عمق نسجيها الاجتماعي .. وتنتهي من (قوتها العاملة)؛ لأنها تستهدف الشباب بالدرجة الأولى.. وامة بلا شباب هي أمة بلا مستقبل.. وهذا الأمر لا يستبعد ان تكون وراءه دول في حالة عداء للسودان.. او منظمات وجهات يهمها جداً (تدمير) البنية الشبابية لهذا البلد.. وقد تأتي )الأرباح وجني المال( في المرتبة الثانية.
وما يؤسف له ان دولتنا الفتية لم تقف ولا يوماً واحداً وقفة (ذات مسؤولية) تجاه هذا الموضوع.. وكأن تهريب المخدرات الى البلاد أو ضبطها على الحدود السودانية يهم دولة أخرى غير السودان.. بسبب (الاحصاءات) الأخيرة في حجم هذه العصابات؛ وأعداد المتعاطين والمروجين؛ وحجم هذه المافيا (المخيف)؛ كان يتوجب على الدولة ان تعقد (مؤتمراً كبيراً) تدعو له المختصين من كل حدب وصوب؛ ويناقش هذا الموضوع ويبحثه من الألف الى الياء؛ ويضع قوانين جديدة (رادعة) حتى اذا كانت (الاعدام في ميدان عام) لكل من يتورط في هذه المنظومة المدمرة.. تماماً كما تفعل الدول التي تحترم شعوبها.. لكن للأسف أن كل هذا لم يحدث.. ولم يحرك ساكن الدولة.. فهينئاً للعصابات والمنظمات الاجرامية بهذا (التراخي) من الدولة السودانية؛ ما يهيئ لهم كل الظروف لزيادة النشاط.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
صحيفة الانتباهة