وقد نال المرض العضال من الشاعر بدر شاكر السياب مثلما نال من بلادنا الآن وهي تتعثر صوب المهاجر والملاجئ.
قال الشاهد في آخر أيام السياب وقد هدّه المرض ونال السُّل من جسده الضئيل، دُعي إلى ليلةٍ شعرية لإلقاء قصيدةٍ جديدة، وعندما كاد أن يصل إلى المنصة تعثر وسقط. وبعد إعياء ومساندة وقف وكان الصوت كعادته شامخاً رغم الداءِ والأعداء، علق بعدها في حزنٍ (وأخيراً بدأت خيانة الجسد، أما الروح فقد باعها الساسة العملاء في سوق النخاسة من زمان بعيد) فدوت القاعة بالتصفيق.
وقبل أن يقرأ مطولته المومس العمياء ابتدر الليلة بأبياته النائحات في الوطنية كأنما كان يحدق في غزو الأطلنطي اللاحق:
شوق يخضّ دمي إليه
كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه كجوع كلّ دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأبّ من الظلام إلى الولادة
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون .. فكيف يمكن أن يكون؟
حسين خوجلي