سُكّر زيادة..
هكذا كانت تنطق اسمه على سبيل الدلع..
ثم تزيد على اسمه ذي الدلع هذا دلعاً سُكَّرياً؛ هو عبارة سُكّر زيادة هذه..
فكنا نستطعم قصته السُكَّرة لإزالة مرارة دروس حمدي..
ثم نتلذذ بالتشابه العجيب هذا بين الاسمين؛ اسم زميلنا… واسم أستاذنا..
ونقص القصص… ونضرب الأمثال..
نفعل ذلك لعل من نعنيهم يتفكّرون… ويتدبّرون… ويعقلون… ويرجعون..
مَن نعنيهم في (زمن ماشي… وزمن جاي… وزمن لسه)..
فأستاذنا حمدي هذا كانت دروسه شديدة المرارة… أو طريقته في تدريسها..
بينما زميلنا حمادة ما كان يهتم لأيما دروسٍ أصلاً..
وإنما شغله الشاغل هو التي سلبت فؤاده – فعقله – ووهبته دلعاً سُكّرياً..
ونقص القصص… ونضرب الأمثال..
لعلهم يتفكّرون… ويتدبّرون… ويعقلون… ويرجعون..
ويُرينا حمادة صورة فتاته كل يوم… بل كل ساعة… بل كل دقيقة..
حتى خلال الحصص كان يخرجها ليراها… ويُرينا إياها..
فحفظناها أكثر مما حفظنا الدروس… سيما دروس حمدي ذات العسم..
وكانت جميلة فعلاً… بشعرها الغجري المجنون..
بيد أنه كان معجباً بتدليلها له أكثر من إعجابه بجمالها… وثورة شعرها..
وكنا نعجب لعبارة سكر زيادة هذه ونحن ننظر إليه..
أو نتفحصه؛ من قمة رأسه إلى أخمص قدميه لنرى أين يكمن هذا السكر..
ما كان فيه ما يلفت النظر سوى طوله..
ولم نعلم أن عين المحب خدَّاعة إلا حين كبرنا..
ونقص القصص… ونضرب الأمثال..
لعلهم يتفكّرون… ويتدبّرون… ويعقلون… ويرجعون..
وصباح يومٍ خريفي غائم جلسنا لاختبار في مادة حمدي..
كان يوماً رائعاً… لا يناسب مثل هذا الاختبار..
بل لا يناسب الدروس على إطلاقها… دعك من اختبارات وامتحانات..
بل ما كان يناسبه أشياء سكرية حلوة..
كلعب الرِنق مثلاً… أو الكرة الطائرة… أو كرة القدم..
فمدرستنا كانت غنية بضروب – وساحات – الألعاب… وأدواتها..
فإذا اكتفينا نتسلى بحمادة سُكّر زيادة..
أما حمادة فما كان يقدر شيءٌ على أن يحول بينه وبين هوايته المُفضّلة..
وهي التحديق في ذات الشعر الغجري المجنون..
حتى الاختبارات – بل والامتحانات – ما كانت تمنعه من هوايته هذه..
وفي اختبار حمدي ذاك سوَّاها… وما خاف عقباها..
ونقص القصص… ونضرب الأمثال..
لعلهم يتفكّرون… ويتدبّرون… ويعقلون… ويرجعون..
سوَّاها… وأخرج صورة فتاته يتمعن فيها… ولم يحس بوقع خُطى من خلفه..
فقد كان يقترب منه حمدي… وحمادة في شغلٍ شاغل عنه..
ولم ينتبه إلا ويدٌ تنتشل وعيه من دنيا الغجر..
وتنتشل صورة ذات الشعر الغجري المجنون من يديه… وناظريه..
ولم يقف حظه العاثر عند هذا الانتشال المزدوج..
فقد شاء الحظ هذا ذاته – رغم عدم إيماني به – أن يكون حمدي جاراً لفتاته..
ثم أن يقاسمه حبه لها؛ وولهه بشعرها الغجري..
ولا ندري إن كانت قد قسَّمت هي حبها بينهما أم حصرته على حمادة..
إن كانت بقيت على العهد أم خانته..
إن كان قد صار لديها حمادة الأول – والثاني – أم هو الأول فقط..
إن باتت تملك سكرين زائدين أم هو واحد..
ولم تطل فترة تساؤلاتنا هذه إلا بمقدار طول ساقيّ حمدي..
أو بقدر طول لحظات دروس حمدي المملة..
فقد جاء الجواب سريعاً..
وعلمنا مَن منهما – حمادة وحمدي – الذي أضحى ذا سُكَّرٍ زيادة عندها..
ونقص القصص… ونضرب الأمثال..
لعلهم يتفكّرون… ويتدبّرون… ويعقلون… ويرجعون..
فقد أقدم حمدي على خطوةٍ ما كان ليخطوها حمادة؛ وما ينبغي له..
فهو – من ناحية – كان لا يزال مُعتمداً على أبيه..
ومن ناحية ثانية ما كان مُستعداً ليدافع عن حبه… وفتاته… وعهده معها..
ثم وعده لها متمثلاً في (يا أول حب وآخر)..
وإنما كان يريد من آخرين أن يفعلوا ذلك نيابةً عنه..
من بعض أصدقائه… وزملائه… وجيرانه… وأبناء عمه… وبنت خالتها..
ترجَّى كل هؤلاء بأن يهبوا لإنقاذ حبهما هذا..
ورغم غرابة هذه الرجاءات فقد كانت تبدو مفهومة – لنا – إلى حدٍّ ما..
وذلك نظراً لما نعرفه عن هشاشة نفسيته..
ولكن ما لم يكن مفهوماً أبداً اكتشافنا الهدف من استغاثاته المحمومة تلك..
الهدف الأساسي… والرئيسي… والجوهري..
بل يمكننا أن نصيغه على إيقاع وعده لها ذاك فنقول (يا أول هدف وآخر)..
وهو أن يبقى محتفظاً بامتيازاته العاطفية..
امتياز أن يظل مُدلّلاً عندها بلقب حمادة… وعبارة سُكّر زيادة..
ولا يهمه – بعد ذلك – أن يحظى منافسه بفتاته..
وبالطبع لم يهب أحدٌ من أولئك بالدفاع عن حبٍ لم يدافع عنه صاحبه كالرجال..
ونقص القصص… ونضرب الأمثال..
لعلهم يتفكّرون… ويتدبّرون… ويعقلون… ويرجعون..
ولو كانت قصةً بمثل عنواننا هذا..
حمــــادة!.
صحيفة الصيحة