منى ابوزيد تكتب : حارس البَوّابَة..!

“الحياة ليست تعيينات ولكنها انفعالاتٌ، وقد تعيش كل هذا العمر دُون أن يهزّك انفعالٌ حادٌ أو يفتح عينيك قلقٌ مبهمٌ أو تصهرك لذةٌ حاميةٌ”.. مصطفى محمود..!

على الرغم من مُعظم المآخذ وبعض التحفُّظات لماذا تبقى بعض المؤسسات الإعلامية قابضةً على جمر مُشاهدتها أو مقروئيتها العالية يا ترى؟. سؤالٌ جديرٌ بإجابة موضوعية تتحرّى فلسفة العرض والطلب، قبل أن تتوسّل بمنطق رأس المال وأسواق العمل. الإجابة في تقديري هي أن “سر الطبخة” يكمن في تعويل إدارتها الذكية على رأس المال الفكري أكثر من اعتمادها على “شحن الرَّصيد”..!

رأس المال الفكري – في أي مؤسسة ربحية – هو حاصل جمع رأس المال الهيكلي والبشري، وهو ليس أكثر الأصول أهميةً فقط، بل هو أساس نجاح الاستثمارات الإعلامية في القرن الحادي والعشرين. فالمؤسسات الإعلامية الناجحة هي التي تحرص على استقطاب القادة المَهَرَة القادرين على فهم رغبات العُملاء قبل افتراض طبيعة احتياجاتهم..!

المشكلات التي تُواجه إدارة أي مؤسسة إعلامية لا تشبه – بأية حال – تلك التي تُواجه إدارة شركة أو مصنع أو حتى مؤسسة حكومية يلفها الروتين وتسكنها البيروقراطية. والقفز بمُعدّلات المشاهدة أو المقروئية حكاية مُعقّدة تحتاج مهارات قيادية خاصّة ومقدرات فذّة على صنع الرسالة الإعلامية، وبالتالي تحقيق النجاح في تسويقها..!

في علم الاجتماع الإعلامي نظرية شهيرة ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين أثبت انتشارها أنّ الرسالة الإعلاميّة تتعرّض خلال رحلتها إلى الجمهور لبوابات – أو نقاط تفتيش- عديدة يطلق عليها المُختصون مُصطلح “حارس البوابة”، وهم يقولون إنّ عمليات التفتيش تلك تتأثّر – أولاً وأخيراً – بالأجواء المُحيطة بالسيد الحارس..!

حراسة البوابة الإعلامية تعني السيطرة على مكان استراتيجي في سلسلة الاتصال، بحيث يصبح للحارس سُلطة اتّخاذ القرار بشأن ما يخرج من خلال بوابته تلك، وعليه فلا نجاح يذكر دون أن تتوافر عنده بعض الخصائص أهمها المصداقية وأولها الخبرة وأولاها الثقة. أما العوامل التي تؤثر على انضباط ورديات حراسته فمنبع أقلها المُجتمع أو الجمهور، ومصدر أكثرها “الكيد المهني” وقصر النظر الإداري الذي يجعل منه عُرضةً للضغوط المهنية، وبالتالي يصرف تركيزه ويُشتِّت انتباهه عن سباق المنافسة الذي لا يرحم..!

إذن، لا بُدّ من تحقق الرضاء الوظيفي ثم الجدارة المهنية حتى يستقيم الأمر، ولا بُدّ من استقرار تلك الطمأنينة الإدارية التي تنشأ وفقاً لمعادلة كيميائية قوامها بيئة العمل “خصائص الوظيفة.. الظروف المُحيطة.. سياسات المنظمة الأم .. مهارات القائد” ..إلخ..!

حارس البوابة هو الذي يقول “نعم” في الوقت المناسب أو “لا”، عندما يكون الوقت غير مناسب، وهنا تكمن قيمة بعض “الحراس”، وتظهر الإجابة على السؤال “لماذا يجب الحرص على هذا ولماذا لا يجب الحرص على ذاك..!

مدير المؤسسة الإعلامية هو رأس المال الفكري لمشروع استثماري إعلامي يرتبط نجاحه بوجوده على رأس فريق عمله ويكون غيابه سبباً رئيسياً في انحسار معدلات نجاحه الباهر. تلك هي الحقيقة الغائبة والحكمة المهنية المهملة، في معظم مؤسساتنا الإعلامية التي يسحقها التنميط ويخنقها الروتين، فتموت فيها كائنات حية اسمها “بعض التفاصيل”..!

ولا يزال السؤال قائماً لماذا تفشل بعض المؤسسات الإعلامية رغم توافر التمويل الجيد والخبرات الجيدة والأفكار الجيدة، ولماذا تنجح أخرى؟. الإجابة المنطقية تكمن في “روح التفاصيل”..!

صحيفة الصيحة

Exit mobile version