(1)
الفراغات تولد بعض (الجسيمات) و(الطفيليات) التي ما كان لها ان تظهر لولا وجود (مساحات) لها. الفراغ ان لم يجد ما يشغل فضاءه شغله (الصدى).
عندما غاب محمد وردي عن الساحة ظهر عدد كبير من اشباه الفنانين ما كانوا لهم ان يظهروا في وجود وردي.
الاغنية الهابطة وليدة لغياب اغنية المضمون والقيمة والرسالة.
نجوم السوشيال ميديا اصبحوا نجوماً بسطحيتهم وسذاجتهم لأن الساحة لا يوجد فيها نجوم اصحاب رسالة وقيمة.
الغياب يمنح الاخرين الحق في ان يشغلوا الحضور بالسخف والضجيج – مثلما يتسبب (ركود) المياه في ظهور (الجراثيم والفيروسات). يتسبب الوضع الحالي لثورة ديسمبر المجيدة في تهيئة البيئة الصالحة للذين يعملون لإجهضاها – وقديماً قال الامام الشافعي (إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ إِنْ سَال طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ) – لهذا اعتقد ان (المدنيين) وليس (العسكريين) هم السبب الرئيس في ظهور (الفلول) من جديد وعودة (الكيزان) للساحة ومحاولتهم السيطرة على الاوضاع وارتفاع صوتهم بعد ان كان لا صوت لهم في بدايات الثورة حينما كانوا يبذلون جهدهم كله في انكار انتمائهم الحزبي للمؤتمر الوطني (المحلول) وكانوا يتظاهرون بالثورية ويرفعون شعاراتها للتخفي من ماضيهم السحيق حتى التى تقول (أي كوز ندوسو دوس)، وكانوا يقولون من باب التستر والسكوت عليهم على الثورة التى اطاحت بهم ثورة ديسمبر (المجيدة) وهم يضمرون لها الشر و الغل كله.
حتى الفنان محمد النصري الذي دخل في عزلة فنية كبيرة بعد سقوط نظام البشير لأنه شعر بأنه بعيد عن الشارع خرج للناس يتحدث عن عودة صلاح قوش وعن استعداده للمشاركة في حفل عودته.
(2)
الخلافات والصراعات في (الحرية والتغيير) هي التي اعطت الفلول الاشارة الخضراء للعودة من الجديد والاستعداد للانطلاق للحد الذي بلغ عندهم جرأة اقتحام دار نقابة المحامين – وهم الذين كانوا قد تنكروا لماضيهم بعد سقوط النظام حتى انهم تخلوا عن (لحيتهم) بعد ان تخلوا عن (شعاراتهم) وظهروا على حقيقتهم.
نعم المدنيون هم الذين منحوهم (password) للسلطة… لا ترموا لومكم على (المكون العسكري) فقد كان (العسكر) نفسهم قبل ان تحدث خلافات وصراعات بين اجسام المكون المدني يخشون على انفسهم من الثورة ويرتعدون من غضب الشارع اذا ثار ويعملون للحرية والتغيير الف حساب ويخطبون ودها ويسعون بكل ما اوتوا من قوة لذلك.
كانوا لا حول لهم ولا قوة – وكانت السلطة الحقيقية في يد (الشارع) وكان (الشعب) هو الذي يقرر وهو الذي يحكم.
(3)
مثلما توحدت قوى اعلان الحرية والتغيير من اجل هدف واحد وهو اسقاط نظام البشير يجب ان يعودوا جميعاً الى منصة التأسيس ويجتمعوا من جديد ويتوحدوا من اجل الحفاظ على ثورتهم المجيدة – فقد بدأ الفلول خطوات فعلية للعودة للسلطة، وأطلقت حساباتهم وأرصدتهم بعد التجميد وأطلق سراح القتلة والفاسدين من السجون وأصبحوا يتحدثون بقلة ادب عن عودة صلاح قوش بعد عودة محمد الطاهر ايلا.
العسكر دائماً يختارون (الكفة الراجحة) وإذا شعر العسكر ان الكفة الراجحة هي كفة (الفلول) سوف ينقلبون على الثورة وعلى الحرية والتغيير مثلما انقلبوا على البشير وهم في لجنته الامنية عندما شعروا بان زمان البشير قد ولى وان (كرته) قد حرق.
لهذا نتمنى ان لا تنهش احزاب الحرية والتغيير في لحم مكوناتها (المدنية) – لأن اضعاف الحرية والتغيير هو تقوية فعلية للمؤتمر الوطني (المحلول).
الحزب الشيوعي عليه ان يتخلى عن هذا الدور (الناقد) الذي يقوم به – الحزب الشيوعي لا يريد ان ينسى انه حزب (معارض) لهذا يعمل بهذه الطبيعة حتى مع المكون الذي كان جزءاً اساسياً فيه.
على الشيوعي ان يوجه سهامه للفلول فهم اولى بها من غيرهم.
ما يقوم به الحزب الشيوعي الآن هو نفس الشيء الذي يقوم به المؤتمر الوطني – الشيوعي عليه مراجعة وضعيته سوف يجد انه يقدم خدمات جليلة للنظام البائد ويساعد على عودته بصورة قد لا تتوفر للمؤتمر الوطني نفسه.
يجب ان يكون هنالك مجلس جامع لكل هذه التيارات تمثل فيه الاحزاب السياسية والمنظمات المدنية والمهنية ولجان المقاومة بصورة عادلة .. هذا المجلس يجب ان يتخذ قراراته من خلال (التصويت) والقرار الذي يحظى بالأغلبية في المجلس يجب ان يحترم وان ينفذ وان يخرج للشارع ممثلاً لكل التيارات حتى التى كانت معترضة عليه قبل اجازته.
الشيوعي كان شريكاً في كل قرارات الحرية والتغيير مع ذلك كان يخرج معارضاً لها بعد صدورها.
الذي اضعف الحرية والتغيير وجعل العسكر ينقلبون عليها هو الحزب الشيوعي وليس المؤتمر الوطني المحلول.
اذا لم تصبح الحرية والتغيير كتلة واحدة لن تسيطر على الشارع – وإذا كان الشارع متشتت بهذه الصورة فانه يجيز بل يدعم عودة الفلول.
الديمقراطية هي العمل برأي الاغلبية والحرية هى احترام الرأي الاخر.. اذا كنا نفتقد لهذه الامور في (المعارضة) هل يمكن ان نجدها في (السلطة)؟
ان كانت اجسام المكون المدني في بعضها غير متفقة، هل يمكن ان نلوم المكون العسكري على خلافهم مع المكون المدني؟
(4)
بغم
اجهاض ثورة ديسمبر المجيدة يبدأ منكم وليس من العسكر او الفلول.
لا تمنحوا العسكر فرصة ان يكون الاقتراع عبر (البنادق) بدلاً من ان يكون عن طريق (الصناديق).
نجاح الثورة وانتصارها وعبورها مسؤولية أي مواطن سوداني.
امامكم فرصة للتاريخ لا تجعلوها تضيع كما ضاعت في ثورة اكتوبر وفي ثورة ابريل تباعاً.
ديسمبر الفرصة الاخيرة.
الفرصة الاخيرة ليس للعسكر وحدهم بل للمدنيين ايضاً.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهة