السودان وطنٌ عزيزٌ وغالٍ، ووطنٌ له موقع متقدم بين العالم الحر، وله حضارات قديمة وراسخة، عرف الدولة وإدارة الدولة والتعامل مع فنون الحكم منذ آلاف السنين، وبه شعب جبار، سجّل في التاريخ مواقف مشهودة، وقاد ثورات عظيمة، شارك العالم في كثير من الأشياء القيِّمة، وأقام دولة عظمى في أفريقيا، وساعد في تحرير شعوب كثيرة، بل قاد مع آخرين ثورة أفريقيا للتحرير من العبودية، وساعد في طرد الاستعمار الحديث في دول أفريقية، منها جنوب أفريقيا والجزائر، وهو من الشعوب المطلعة والمثقفة، حيث كان يقال في الأربعينات والخمسينات وستينات القرن الماضي إنّ القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، والخرطوم تقرأ.
السودان علّم كثيراً من شعوب العالم الثورات ومحاربة الاستعمار الحديث، جنود السودان اشتركوا في الحرب العالمية الأولى والثانية، وكان لانتصار الحلفاء في ليبيا والعلمين دور كبير للجيش السوداني، حتى قال عنهم تشرشل مقولته المشهورة: السودان دولة عظيمة وإن جار عليها الزمان ودخلت في دورة كل عام ترذلون بتصرفات بعض أبنائها، وقصر نظرهم، وابتعادهم عن قيم وأخلاق وعادات وتقاليد وصفات أهل السودان.
السودان عمره كان أبياً شامخاً، لم يخضع ولم يتمرغ أنفه في التراب أبداً، ودائماً مرفوع الرأس وجبهته عالية، فقر ومسغبة ولكن عزة نفس وإباء.
السودان بنى وعلّم كثيراً من الدول التي تتطاول عليه الآن، والسودان لم يقصر أبداً في القيام بدوره في أمته العربية والإسلامية، قاتل أبناء السودان في كل الحروب العربية ضد إسرائيل وسالت دماء أبنائه في حرب 1948م وحرب 1967م وأكتوبر 1973م، وعقد مؤتمر الخرطوم للاءات الثلاثة وصالح بين الملك فيصل والزعيم عبد الناصر، وكذلك كان الرئيس النميري في بيروت بنفسه في الأزمة الفلسطينية (أيلول الأسود).
بنى أبناء السودان دولاً عربية معروفة بعلمهم وعرقهم، ومازال أهل السودان يدفعون ثمن الإخاء مع الحلفاء في حرب اليمن.
لم يمتن أهل السودان يوماً على أمتهم رغم ضيق ذات اليد والمسغبة والتي سببها الاستعمار والحصار الاقتصادي من دول كبرى تود أن تُسيطر على موارده وموقعه وقراره الوطني.
السودان ليس دولة (هوينة) سهل قيادها، وهو سيد ما عنده أسياد، وهو رأس مُش ذيل وإن جارت عليه الأيام، وماردٌ متوقعٌ في أن يكسر القيد الذي يُقيِّده به التدخل الأجنبي والاستعمار الخارجي، وبعض أبنائه من حملة الجنسيات المزدوجة. السودان دوله تُعلِّم الشعوب التحرر والانعتاق من قبضة الاستعمار.
إنّ التدخل السافر جداً في قراره الوطني من بعض الدول بدعوى الواسطة في حل أزمات الحكم فيه مرفوضٌ، لأنه ليس تدخلاً محايداً لصالحه، ولكنه تدخلٌ مُنحازٌ ويبعثر ويُشتِّت في أهل وأبناء السودان.
إنّ تحرك الآلية الخماسية ليس في مصلحة السودان، حيث إن بعضهم عامل ليمكن لمشروعه العلماني الليبرالي الجديد في السودان ليخدم أجندته على حساب الشعب السوداني، وجزء من الخماسية يريد موارد السودان وعينه على بعض المشاريع المهمة في السودان موانئ وأراضٍ زراعية ومعادن وغاز وبترول. وآخرون يريدون إضعاف المؤسسة العسكرية ليسهل تفتيت السودان إلى دويلات،
ليس هنالك من يعمل لصالح السودان!!!
كل هذه الوساطات مفخخة ليس فيها أي أمر لصالح السودان الوطن أو السودان الشعب.
يا هؤلاء ارفعوا أيديكم عن السودان، واحذروا غضبة الحليم.
العالم الآن يغلي ويتشكل وتكثر فيه بؤر التوتر والتنازع، لا تزيدوا الأرض توتراً.
الديمقراطية لم تعد سلعة ذات قيمة، فهي بارت في الغرب وصار الغرب نفسه مأزوماً وقسمت مجتمعاته إلى قمة وقاعدة، وإلى أثرياء وأغنياء، وإلى فقراء معدومين، وانتشرت فيه العنصرية (سود وبيض) انتشار النار في الهشيم (ما تسوموا الموية في حارة السقايين)، اعملوا في السودان بالحسنى أو كفوا أيديكم.
السودانيون يسمونهم (أبو نوامة) ثعبان ينوم كثيراً، ولكن إذا صحى شديدة اللدغة وسام جداً.
رجاؤنا لكم اذا كنتم تودون التوسط في الأمر السوداني، اما اجعلوه جامعاً وعاماً أو ابتعدوا عن القضية السودانية.
ارعوا شؤون دولكم ومصالحها دون التدخل في الشأن السوداني، أهل السودان أدرى بمصالحهم (أهل مكة أدرى بشعابها).
الشعب السوداني ليِّن الجانب وكريم وحسن التعامل مع الآخر، وهو شعبٌ حليمٌ.
وعليه، أيُّها (الخماسية احذروا غضبة الحليم)..!!
صحيفة الصيحة