بخاري بشير يكتب: مقترح دستور المحامين (2-2)
بالأمس تحدثنا عن وثيقة أو مسودة دستور المحامين، التي جاءت في كثير من بنودها موافقة لهوى العلمانيين، وباركتها الدوائر الأجنبية، ونالت (بركة) الحاج فولكر، الذي تكبد مشاق حضور ورشها الاعدادية.
وقال قائل، لا نتهمه بالكذب، ولا نشك في صدقه، ان المسودة بـ(ضبانتها) أعدت في الخارج، ولم تضف اليها لجنة المحامين ولا (شولة واحدة).. لذلك كان (التأييد) لها من الخارج أكبر واشمل من تأييد الداخل، وكأن الوثيقة قد اعدت لحاكمية مواطن سوداني يعيش في ريف أوروبا، أو سهول كنساس، ما تضمنته من مواد لا يعني المواطن السوداني المسلم، في ربوع السودان المختلفة.
لماذا يصرون على فرض رؤية أحادية يعارضها المواطن السوداني، ويتشدقون ليل نهار بالديمقراطية والحريات، يرفعون هذه الشعارات، ويريدون ان يفرضوا على شيوخ وشباب ونساء وبنات السودان دستوراً (أجنبياً) ليس فيه من السودان الا اسمه وديباجته.
يقول هذا الدستور (المستورد) “ان الدولة السودانية دولة مدنية تقف على مسافة واحدة من كل الأديان وكريم المعتقدات”.. كلمة (مدنية الدولة) كلمة معممة، غير دقيقة، ثم تعقبها بأنها تقف على مساحة واحدة من كل الأديان، بمعنى ان تمنح السودانيين المسلمين ذات المساحة الممنوحة للاديان الأخرى، مع كامل التقدير والاحترام لها، كم هي نسبة المسلمين في السودان؟ وكم نعطي من نسب لبقية الأديان الأخرى؟ والاجابة نتركها للجنة تسييرية المحامين التي تبنت مشروع مسودة الدستور، أوبصمت عليه قبل تمحيصه والتدقيق فيه.. وليرجع السادة القانونيون الأماجد الى كل الدساتير التي نشأت في السودان منذ (المهدية) مروراً بتاريخنا الحديث، لينظروا هل وقفت الدولة الى مساحة واحدة من كل الأديان؟ أم كانت الشريعة الاسلامية هي مرجع التشريع، وبقية الأديان تحفظ لها حقوقها في العبادة والاعتقاد؟.. واذا وجدوا غير ذلك نحن على استعداد لنبصم معهم على مسودة (الحاج فولكر).
ثم تورد الوثيقة في فقرة سيادة الدستور الفقرة 2 الآتي: “تعتبر اتفاقية جوبا للسلام جزءاً لا يتجزأ من هذا الدستور” بكل بساطة تضمن الوثيقة اتفاقية جوبا (المغضوب عليها) في الدستور كجزء لا يتجزأ منه.. وهذا لعمري لم يسبقها عليه أحد، وليت اتفاقية جوبا قد ملكت الاجماع، فهي ما زالت برغم مرور عامين وشهر على انفاذها، معترض عليها من عدة أطراف.. وهي تحتاج لمراجعات باعتراف أطرافها.. وذات الاتفاقية قامت بذات نفسها بتعليق تنفيذ (مسار الشرق)، ثم جمده البرهان لاحقاً بقرارات ٢٥ اكتوبر.. فكيف لأهل القانون تضمين اتفاق (مختلف حوله)، ومجمدة بعض بنوده، في وثيقة الدستور.. فهل نحن أمام نصوص دستورية محكمة تحكم كل قوانين الدولة، ام الذي امامنا مجرد (لعب عيال).
وفي فقرة حكم القانون الفقرة ٣ جاء النص الآتي: “على الرغم من اي نص ورد في اي قانون، لا تسقط بالتقادم جرائم الحرب، والجرائم ضد الانسانية، وجرائم القتل خارج نطاق القضاء، وجرائم الاغتصاب، وانتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، وجريمة تقويض النظام الدستوري، وجرائم الفساد التي ارتكبت منذ الثلاثين من يونيو 1989 حتى تاريخ التوقيع على هذا الدستور الانتقالي.”
واضح ان النص لا يشبه الدساتير، بما اشتمل عليه من تفصيلات، محلها القوانين، فالدستور وثيقة عليا تقدس المفاهيم concepts و لا تهتم بالتفاصيل، وكأني بواضعي هذه الفقرة “وجرائم الفساد التي ارتكبت منذ الثلاثين من يونيو 1989 حتى تاريخ التوقيع على هذا الدستور الانتقالي” ارادوا فقط (تجريم) فترة محددة.. وهنا يبرز سؤال ما موقع كل جرائم الفساد المرتكبة قبل ١٩٨٩ ؟ لماذا لا يشمل النص كل مراحل الحكومات الوطنية؟
مشروع دستور المحامين (مشروع وافد) ولا يمثل اهل السودان، وتدعمه دوائر أجنبية، لها اجندتها.. ولن تفلح هذه الجهات في ايجاد (تربة) صالحة لزراعة هذا المشروع في أرض السودان.
نمسك عن كثير من نقاط المسودة، وان دعا الداعي سوف نعود.
صحيفة الانتباهة