في بلدتنا في منطقة النوبة في شمال السودان كانت الثعالب مصدر صداع دائم لأهلنا، لأنها كانت دائمة الاعتداء على الدواجن. والثعلب حيوان تافه وخسيس ومخرب، لأنه عندما ينجح في اقتحام قفص الدجاج يقوم بقتل جميع أفراد السرب، ثم يحمل دجاجة واحدة في فمه ويهرب بها إلى جحره في إحدى الغابات الصغيرة التي اشتهرت بها بلدتنا وهي جزيرة نهرية اسمها “بدين”، ولكن اليقظة الشعبية أدت إلى انقراض تلك الثعالب اللعينة، فقد اختفت الغابات التي كانت تلجأ إليها، لأن توسيع الرقعة الزراعية استوجب قطع جميع الأشجار، وأصبحت الثعالب أهدافاً سهلة للكلاب والبشر فانقرضت، وأصبح من حق الدجاج في بلدتنا أن يتجول ليلاً وأن يقضي الليل بطوله خارج “القوقه” وهي بيت الدجاج في اللغة النوبية، وهو ذو شكل دائري يصنع من الطين، وله غطاء طيني ثقيل، وفي أول كل مساء كان يتم تكليفنا نحن الصغار بإلقاء القبض على الدجاجات ووضعها في “القوقه”. ومن آيات ذكاء الثعلب أنه عندما يريد تناول فراخ في العشاء يبدأ بحفر نفق تحت القوقه ثم ينشب مخالبه حتى يفتح ثغرة في قعرها ويفتك بجميع ما فيها من دجاج، ثم يتناول واحدة طرية اللحم ويتوجه إلى مخبئه، ولكن وبتوفيق من عند الله نجحنا في القضاء على جميع الثعالب، بل والغابات التي كانت تتخذ منها مأوى، دون أن نضطر لتشكيل حركة تحرير كما حدث في أنحاء أخرى في السودان. وعندما انعقدت قمة المناخ في باريس وقبلها في كيتو في اليابان، أبلغت المشاركين فيها بالجرائم البيئية تلك التي ارتكبها أهلي في جزيرة “بدين” النهرية، بل وقلت لهم إننا نحن أهل السودان وبوركينا فاسو ونيبال وإكوادور سنواصل قطع الأشجار واستخدام أخشابها كوقود للطهي، كما نتعهد بالاستمرار في تلويث مصادر المياه المتاحة لدينا! لماذا؟ لأننا أحرار؟ لا لأننا مرغمون على فعل ذلك، فالأوروبيون والأمريكيون “أخذوا راحتهم” في تقطيع الأشجار وحرق الفحم الخشبي والحجري، وتفجير القنابل الذرية، ولما جاء دورنا للاستفادة من الموارد الطبيعية باتوا يصيحون ويولولون. وحاولوا أن يأكلوا بعقلي حلاوة كما يقول المصريون عن الاستعباط، وقالوا: ترامب انسحب من اتفاقية المناخ وما تكون مثله من الخاسرين. كن عاقلا “كما عهدناك”، ثم هل سترضى أن يسمي الناس أهلك وقومك بالترامبيين؟ قلت لهم: ترامبيين ترامبولين تريفيرا ما تفرقش (تريفيرا هذه نوع من الأقمشة وجد رواجا بين النساء لحين من الدهر ولا أعرف لماذا اختفى من القاموس النسائي). أخذتم فرصتكم في بهدلة البيئة ولا خيار أمامنا سوى قطع الأشجار وحرق أخشابها وصيد كل حيوان مؤذٍ، أو لحمه طيب. يقولون إنه إذا أستمر تدمير الغابات فإن درجة الحرارة على كوكب الأرض سترتفع. طيب ماله؟ ضربوا الرجل على عينه العوراء فقال “بايظة بايظة” يعني نحن أساسا نعيش في بلاد صيفها جحيم وشتاؤها سقر، ولن “تفرق” معنا كثيرا أن ترتفع الحرارة درجتين أو ثلاثة أما أهل أوروبا وأمريكا الشمالية فإن تسخين الأرض يهددهم بالطوفان القادم من الشمال بعد أن يبدأ القطب الشمالي في الذوبان، في ستين ألف داهية، وعليهم أن يختاروا: هذا أو الطوفان، و”هذا” هو أن يوفروا لنا الوقود والمحروقات وأجهزة المايكروويف، وقبل كل شيء محطات كهرباء، حتى لا نقوم بتدمير الغابات، والأهم من كل ذلك أن يخلصوا في الدفاع عن حقوقنا، بنفس درجة حماسهم للدفاع عن حقوق السلاحف والسحالي والشجر والبحر والنهر والحجرـ حتى لا “نفش غلنا” في الحيوانات والنباتات فنشبعها إبادة وانقراضا. هؤلاء الغربيون قليلو الحياء، يذرفون الدموع على تماسيح أفريقيا التي كادت تفنى لأن أهلنا يصطادونها لبيع جلودها التي تحوِّلها المصانع الغربية إلى حقائب وأحذية، يعادل ثمن “الحبة” الواحدة منها متوسط دخل إنسان العالم الثالث في سنة كاملة، ولكن ابن آدم في بلادهم يتعرض للاعتداء والسجن وربما القتل لأنه لون بشرته “غلط” أو لأنه “شوهد وهو يدخل المسجد ويخرج منه مرارا”.
جعفر عباس