كلنا عظماء..
كلنا كذلك هذه الأيام… أو الغالبية العظمى منا..
وقبل أن تفرح فلتنتظر حتى تفهم المقصود بمفردة عظماء في سياق كلمتنا هذه..
فقد ترى من يكلم نفسه في زماننا هذا..
وستقول بلا تردد: إما مجنون هو… أو مسطول… أو مفروس… أو مضغوط..
ولكن كذلك كان يفعل كثيرٌ من العظماء..
فلماذا نقبل التصرفات الشاذة منهم – ومن عباقرة – ونستهجنها من تلقاء غيرهم؟..
الإجابة قد تحتاج إلى تفلسف… مدعوم بشيءٍ من علم نفس..
ولكن مهما يكن؛ هل يصح أن نسخر من غرائبية أفعال بعض البشر؟..
ونبيح لأنفسنا – من ثم – أن نضحك منهم… وفيهم… وعليهم؟..
كنت – إذن – ستضحك كثيراً وأنت تبصر أحدهم يدخل على أصحابه من النوافذ..
ولكن ضحكك لن يطول أمده فور أن تعرف الشخص هذا..
بل ربما تحول إلى تقديرٍ… وإعجابٍ… وانبهار… أو حتى محاولة تقليد..
إنه تشارلز ديكنز الروائي الإنجليزي الشهير..
ونضحك نحن على شخص عادي إن نسي شيئاً مهماً ونردد طرفة معروفة..
طرفة الذي ذهب إلى طبيبٍ نفساني يشكو معاناته مع النسيان..
فسأله الطبيب: والحالة هذه معك منذ متى؟… فقال متسائلاً هو نفسه: أي حالة؟..
ولكن توماس أديسون كان ينسى أحياناً حتى اسمه ذاته..
ودوماً – لا أحياناً – ينسى طعامه… ونظارته… ومحفظته… بل واسم زوجته..
ونسخر نحن من صاحب الصوت المشروخ حين يغني..
بينما تمنى الكثيرون سماع غناء أينشتاين في الحمام؛ وقد كان لا يغني إلا داخله..
وتعجب زوجة صاحب نظرية النسبية من هذا التمني..
فهي كانت تضطر – من شدة قبح صوته الحاد – إلى سد أذنيها (بطينة وعجينة)..
ولكن أعجب من ذلك قصة مخترع لقاحات الجراثيم..
فلويس باستير نسي – لا ترك فقط – عروسه ليلة زفافهما؛ ومضى إلى المختبر..
وحين عثر عليه البعض هناك غمغم (آه حقاً؛ لقد نسيت)..
قالها – هكذا – بكل بساطة..
وأنور السادات كان يخاف من القطار وهو (كبير)..
وقبل أن يضحى رئيساً فر من السينما عندما رأى قطاراً يأتي مسرعاً نحوه..
يأتي في الشاشة… لا في الواقع..
فقد كان يظن أن القطارات تلاحقه هو (بالذات)..
رغم أن صاحب البحث عن (الذات) اجتاح خط بارليف المنيع كما (القطار)..
ويسخر بعضنا من الذين يبالغون في (التوهم)..
كسخريتنا من زميلٍ – إسلاموي – كان يتوهم وجود خطرٍ خارجي على كل شيء..
على بلاده… وعلى حكومته… وعليه هو نفسه..
ولكن الأديبة مي زيادة كانت تتوهم أكثر من ذلك… أكثر بكثير..
فلا يسخر منها أحد… ولا يضحك…
توهمت أن أديب الأدباء طه حسين يريد سرقة حُليِّها؛ رغم إنه ضرير..
فهو لا يرى – أصلاً – ما تتزين به..
ولو رآه لما سرقه..
فغرابة الأفعال تكون مقبولة من جانب العظماء..
وما عداهم – من البشر – إما مجنون هو… أو مسطول… أو مفروس… أو مضغوط..
وكثير من السودانيين – هذه الأيام – يأتون أفعال العظماء..
فينسون… ويسرحون… ويتوهمون… ويكلمون أنفسهم… ويضحكون بلا سبب..
أو قد يكون ضحكاً لسببٍ يستحق البكاء؛ لا الضحك..
فلا تضحك منهم… وفيهم… وعليهم..
فربما تكون – أو تصير – أحدهم؛ بل ربما أنت كذلك بالفعل الآن… كحالنا جميعاً..
فكلنا كده!.
صحيفة الصيحة