ادمى القلوب وفاة طفل سوداني بحثاً عن طعام في مكب للنفايات

لم يدر محمد هرون رحمة- 9 أعوام- أن الموت ينتظره في مكب النفايات على بعد 2 كيلومتر شمال مخيم “عطاش” للنازحين الذي يبعد 7 كيلومترات شمال شرقي مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.

في صباح يوم السبت 8 أكتوبر، أصر هرون على الذهاب مع اقرانه من أطفال المخيم إلى مكب النفايات الوحيد لمدينة نيالا للبحث عن طعام يكبح جوعهم الذي ظل يحاصرهم بعد أن أوقفت منظمة الأغذية العالمي حصص الغذاء عن المخيم الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 200 ألف نسمة بحسب إدارة المخيم.

ذهب هرون وأصدقائه من أطفال المخيم للبحث عن الطعام “والخرد” وهو الحديد الذي يجمع ليعاد تصنيعه” لكنهم وجدوا مواد غذائية لم يعلموا أنها تالفة أو منتهية الصلاحية، وبدأوا إلتهامها، ولم تمض إلا دقائق حتى بدأت عليهم آثار هذه المواد حيث أصيبوا بالغثيان والاستفراغ.

علمت الأسر في المخيم بما جرى لابنائها، فتحرك سائق موتر “توكتوك” إلى المكب”كوشة” واحضر أربعة أطفال حالتهم خطرة من بينهم هرون الذي لقي حتفه بعد وصوله المركز الصحي الخاص في المخيم واتضح أنهم أصيبوا بالتسمم.

الخروج إلى المكب
قالت والدة الطفل المتوفي حواء عبدالله رحمة لدارفور24 انها رفضت لإبنها الذهاب مع بقية الأطفال إلى المكب، بسبب اصابة شقيقته ذات 13 عام بجرح غائر أثناء البحث في المكب في وقت سابق، لكن هرون تخفي وخرج مع أطفال المخيم وعددهم تجاوز 14 طفل أكبرهم عمره لم يتجاوز 14 عاماً.

عينة من الدقيق التالف
عينة من الدقيق التالف
في ظهيرة السبت تلقت حواء إتصالاً هاتفياً من أحد أقاربها يقول المتحدث “حواء هرون تعبان يحتاج لعلاج”. قالت حواء إنها لم تفهم مغذي الإتصال إلا بعد أن أخبرها الجيران، بأن ابنها أصيب بالتسمم في المكب وتم نقله الى المركز الصحي بالمخيم، تقول حواء “قمت مسرعةً ولحقت به في المركز، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة” ليتم تسليم الجثمان لوالدها لجهة ان والد هرون غائب عنهم منذ ثمانية أعوام دون أن يعرفوا مكانه.

حواء قالت إن الأطفال يذهبون للمكب “الكوشة” بحثاً عن الغذاء لمواجهة الجوع الذي يضرب المخيم، وعدم وجود معونات غذائية بعد توقفها لسنوات وصرفها لأسر محددة.

تحسرت حواء بشدة لتجاهل حكومة الولاية موت إبنها، وحملت وزارة الصحة مسؤولية الوفاة للإهمال وعدم الرقابة، ورمي النفايات دون التخلص منها بصورة نهائية، وعلقت قائلة: لماذا إبادة سلع تالفة ومنتهية الصلاحية بالقرب من النازحين وهم يعانون الجوع ولا حول ولا قوة لهم.

أبنتي تناولت طحينية

قالت عائشة الطاهر عبدالرحمن والدة الطفلة سليمة ذات 13عام لدارفور24 أن إبنتها أبلغتها أنهم تناولوا طحنية عليها رائحة جازولين، وبعدها بدأوا يشعرون بغثيان واستفراغ شديد، مما دفع الطفلة سليمة الى الاستنجاد بسائق موتر “تكتك” ماراً بالقرب منهم، وطلبت منه هاتف للإتصال بأمها، فحمل سائق التكتوك 11طفلاً من المكب بينهم 4 حالاتهم حرجة إلى المركز الصحي توفي بعدها هرون.

وقالت عائشة أن إبنتها وأطفال المخيم ذهبوا الى مكب النفايات من أجل البحث عن لقمة العيش بعد أن توقف المعونات منذ ما يقارب 4 أعوام، ووصفت الظروف المعيشية داخل المخيم بالصعبة، وأضافت: الأطفال يجمعون “الحديد الخردة” لمدة أسبوع من المكب لبيعه مقابل 150 جنيها للكيلو الواحد، ويمكن أن يكون حصاد الأسبوع مبلغ ألفي جنيه سوداني.

ولم تستطع الأسرة استلام التقرير الطبي، لعدم قدرتها على دفع رسوم المركز الصحي الخاص، البالغة 15 ألف جنيه، لكن مدير المركز الطبي أكد لدارفور24 إن حالة الوفاة والتسمم بسبب تناول مواد غذائية منتهية الصلاحية.

في الوقت الذي عجزت فيه الاسرة عن الحصول على اورنيك من الشرطة، لعدم قدرتهم تحمل تكلفة المواصلات بين المخيم ومركز البوليس “نيالا شمال”.

وكشفت رئيسة المرآة بمخيم عطاش حواء أحمد عمر لدارفور24 المآسي التي تعيشها النساء مع أطفالهن وصعوبة الوضع المعيشي الذي ظهرت نتائجه بوفاة “هرون” وقالت إن الأطفال والنساء يعملون في مدينة نيالا في أعمال هامشية، وإن ما تناوله الأطفال مؤخراً مواد غذائية منتهية الصلاحية سببت لهم ضرراً بالغاً أدى إلى فقدان روح نتيجة لتوقف برنامج الغذاء العالمي عن مد النازحين بالمعونات دون أسباب واضحة.

وحملت حواء وفاة وتسمم الأطفال بوزارة الصحة الولائية لعدم اهتمامها بأمر المكب وتركه مفتوحاً وحرق النفايات التي يتضرر منها سكان المخيم بالتلوث الذي ينعكس عبر الدخان وطالبت بنقل المكب إلى غرب المدينة وبعيداً عن السكان.

من المسؤول عن موت هارون..؟
ربط مسئول الشباب بمخيم عطاش آدم دودة آدم تسمم الأطفال بالوضع المعيشي بالمخيم بعد توقف المعونات الغذائية للنازحين، وقال دودة لدارفور24 أن برنامج الغذاء العالمي ساهم في تدهور الأوضاع بالمخيم بتعليقه الغذاء الذي يعد شريان الحياة، ومضى بالقول “هنالك تشرد وتوهان للأطفال للبحث عن الغذاء من بين النفايات لسد رمق الجوع واعتبر الوضع مجاعةً لم تعلن بعد”.

“دودة” اتهم وزارة الصحة الولائية بالضلوع في تسمم الأطفال لعدم رقابتها للمكب شرقي المخيم، وترك الجميع يرمي نفاياته، وعلق قائلاً “الأطفال لا يعرفون تاريخ الصلاحية ويتناولون كل شيء، وكان من الممكن إقامة سور من الأسلاك وتحريز المكان وحراسته لمنع دخول الأطفال إليه”

واقترح دودة تحويل مكب النفايات وإبادة المواد الغذائية منتهية الصلاحية بعيداً عن المخيم و إبادتها في حاويات كبيرة منعاً لتسريبها.

ظروف معيشية قاسية
وصف نائب رئيس مخيم عطاش للنازحين بشر الدومة يعقوب الأوضاع في المخيم بالقاسية، وقال بشر لدارفور24 أن جل أطفال المخيم يعملون بسبب الظروف المعيشية التي يمر بها النازحون في جمع النفايات وبيعها أو مسح الأحذية إضافة للتسول بأسواق مدينة نيالا، وأضاف “ما نعانيه هو بسبب تقليص برنامج الغذاء العالمي مساعداته الغذائية منذ سنوات”.

وأصاف “نتيجة لتقليص المساعدات الغذائية توفي الطفل هرون وتسمم ثلاثة آخرين بعد تناولهم مواد غذائية منتهية الصلاحية في مكب النفايات شمال شرقي المخيم.

ووفقاً لحديث بشر فإن نازحي المخيم الذين يتجاوز عددهم 200 ألف نسمة، يتلقى القليل منهم معونات غذائية من برنامج الغذاء العالمي بعد تصنيفه لبطاقات الصرف إلى “أحمر، برتقالي، أصفر، أخضر” حيث يحظى فقط حاملو البطاقات الحمراء بالغذاء بينما تم إيقاف بقية البطاقات.

نائب رئيس المخيم بدوره حمل- كذلك- مسؤولية وفاة الطفل وتسمم الآخرين لوزارة الصحة الولائية لعدم اهتمامها بالمكب معلقاً “لا يمكن منع الأطفال من الذهاب، ولكن الحكومة هي من تستطيع السيطرة والتحكم على المكب”.

موقع المكب
يبعد مكب النفايات بمدينة نيالا، على بعد 2 كيلو متر شرقي مخيم عطاش للنازحين، حيث يرى نائب رئيس المخيم ان هذه الموقع غير مناسب لقربه من المخيم، وطالب بترحيله عاجلاً، وإيقاف الضرر البيئي الناتج عن رائحة مياه الصرف الصحي والدخان الذي يعاني منه نازحي المخيم.

الاتهامات في منضدة الوزارة
توجه مراسل دارفور24 إلى إدارة صحة البيئة بوزارة الصحة ولاية جنوب دارفور بعد إفادة النازحين بالمخيم واتهامهم الصريح للوزارة بالتسبب في تسمم الأطفال ووفاة الطفل هرون، إلا أن مدير إدارة صحة البيئة تهاني أحمد موسى نفت بعملية ابادة المواد الغذائية التي تمت السبت الماضي، وأكدت أن آخر إبادة بإشرافه لمواد منتهية الصلاحية كانت في مارس الماضي، وقالت ان المكب عشوائي ومفتوح للجميع وليس لإدارتها سيطرة عليه.

وقالت إن أية إبادة مواد تالفة او منتهية الصلاحية يجب ان تتم عبر لجنة الإبادة الولائية التي تترأس هي إدارتها، وتتكون من عدة مؤسسات حكومية، ونفت علمها بالإبادة التي نفذتها إدارة ضبط الجودة وحماية المستهلك بوزارة المالية قبيل تسمم الأطفال ب 48 ساعة.

وذكرت تهاني لدارفور24 أن إدارة ضبط الجودة وحماية المستهلك أخطرت نيابة حماية المستهلك بإجراءات الإبادة التي بدورها أحالت الخطاب إلى إدارة صحة البيئة لابتعاث مناديب لمعاينة المواد الغذائية التالفة والمنتهية الصلاحية، إلا أن الإجراءات توقفت من جانب ادارة ضبط الجودة، ونفذوا الإبادة دون علم اللجنة الولائية المخول لها بالإبادة.

وعلقت تهاني عن تسمم الأطفال قائلة “عند إبادة أي مواد يجب أن تنتهي تماماً، وتصبح رماد وكل مادة لها شروط للإبادة ومن ثم يتم تسليم الجهة شهادة إبادة”.

ونفت تهاني علاقة وزارة الصحة بتسمم الأطفال بالمكب، وقالت إن المكب لا توجد به ضوابط ليتم تحميل المسؤولية لجهة بعينها.

إدارة ضبط الجودة تنأى بنفسها
دافعت مدير إدارة ضبط الجودة وحماية المستهلك بوزارة المالية كلثوم محمد أحمد عباس عن إدارتها وحقها في إبادة أي مواد منتهية الصلاحية أو تالفة باعتبارها الجهة المخول لها ذلك وفق القانون.

وقالت كلثوم لدارفور24 أن إدارتها أبادت يوم الخميس 6 اكتوبر أكثر من 37 طن من المواد المختلفة منها “غذائية، ومواد بناء، و عطور، ومساحيق تجميل” وإن الإبادة تمت بعيداً عن المخيم بعد إخطار نيابة حماية المستهلك رسمياً بالإبادة، وعلقت “المكان الذي تمت فيه الإبادة بعيد جداً ولا يمكن للأطفال الوصول إليه بسهولة.

وقطعت بأن الأطفال لم يتناولوا من المواد التي إبادتها إدارة ضبط الجودة وحماية المستهلك، وذلك للطريقة التي أبيدت بها، وأضافت: استخدمنا نشارة الخشب وأكثر من 7 برميل جازولين، ووضعنا حراسات مشددة ظلت في المكان حتى وقت متأخر من مساء اليوم نفسه، وأكدت أن نسبة الإبادة فاقت 98%”.

بررت كلثوم عدم مشاركة اللجنة الولائية في عملية الإبادة، وقالت لم نشارك اللجنة لعدم معرفتنا بها وتكوينها، وإن جميع المواد التي تتم إبادتها في السابق بواسطة إدارة ضبط الجودة دون مشاركة اللجنة الولائية، إضافة الى إبعاد اللجنة الولائية لإدارة الجودة وحماية المستهلك من عضويتها رغم اختصاصها.

والسؤال الذي يطرح برأيك من هو المسؤول عن وفاة الطفل هرون واصابة أقرانه من أطفال المخيم بالتسمم، بعد نفي الجهات ذات الصلة بالأمر علاقتها بالأمر…؟
دارفور 24

الصيحة

Exit mobile version