زهير السراج يكتب: هل تنقصنا الوطنية ؟!

* عاد الى الواجهة مرة اخرى الحديث عن وطنية السودانيين، واذكر اني نشرت حواراً قبل عامين عن نفس المضمون بين سوداني وبريطاني عاش في السودان، وصف فيه الشعب السوداني بالرادءة وعدم الوطنية! * يقول البريطاني لصديقه السوداني: “أطلقت ذلك الوصف القاسي على السودانيين لأنني أحبهم وعشت بينهم في فترة الطفولة، وفترة كموظف لحكومة صاحبة الجلالة، وهم شعب طيب، خلوق، حلو المعشر، يحترم الضيف في بلاده على غير عادة الأفارقة والعرب، شعب يشعرك بأنك في بلدك ووسط أهلك، ويشاركك طعامه مهما كان بسيطاً، شعب متواضع ومتدين لا يقبل الاساءة الى دينه تحت أي ظرف من الظروف، حقيقةً عشت أمتع أيام حياتي في السودان”! * السوداني: “توقف قليلاً من فضلك، هذا الذي وصفته يا رجل شعب ملائكي، شعب رباني، فكيف سمحتَ لك نفسك أن تصفه بأنه شعب ردئ؟!”. * الخواجة: “تمهل يا عزيزي ودعني أواصل حديثي. عندما عاد أبي لبريطانيا بعد نهاية خدمته في السودان حدثنا عن ذكرياته في المستعمرات البريطانية، وعندما جاء دور السودان أخذ تنهيدة أسى ولحظة من التفكير العميق، ثم قال ان السودانيين شعب عظيم في كل شيء إلا أنهم عديمو (الوطنية)، السوداني مستعد لبيع وطنه بثمن بخس، قبيلته هي وطنه وليس السودان، والسودانيون شعب (حاسد) يحسد بعضهم بعضا بشكل بغيض، شعب يحب الخير للأجنبي ولا يحب الخير حتى لشقيقه. هل تصدق بأن كبار موظفي الدولة السودانيين كانوا يأتون لرؤسائهم الإنجليز لتقديم تقارير سيئة للغاية ضد أبناء جلدتهم، بل كانوا يكتبون تقارير سرية يتهمون بعضهم البعض بالانتماء للمقاومة ضد الانجليز”! * يواصل: ” لو قلتُ لك كل ما قاله أبي عن سلبيات السودانيين لن تتحمل واراك تنظر لي بعين الغضب، المهم في الأمر لخص أبي كلامه عن السودانيين قائلاً: ذلك بلد عظيم ذو إمكانيات عظيمة وشعب ذكي ومتعلم، ولكنه فاقد تماماً للوطنية عكس باقي الشعوب، لذلك لن تتطور تلك الدولة، وسوف تُذبح بيد أبنائها وتنقسم لعدة دويلات في نهاية المطاف وستسيطر عليها جارتها الشمالية سيطرة كاملة بمساعدة عملاء سودانيين”. * السوداني: ” ذلك رأي والدك عن شعب السودان فما رأيك انت؟”، أخذ الخواجة نفساً عميقاً وقال: ” رأيي تماماً كرأي أبي، بل أكثر تشاؤما، خاصة بعد أن رأيت الانفصال المؤلم لجنوب السودان، أسمع يا صديقي.. هنالك في بريطانيا الآلاف من أكفأ الأطباء و العلماء السودانيين، تعلموا في نظام التعليم السوداني حتى أكملوا الدراسة الجامعية وبعثت بهم الحكومات السودانية على حساب الدولة إلى بريطانيا للدراسات العليا والتخصص وكان واجباً عليهم جميعاً العودة إلى بلادهم لدفع ضريبة الوطن الذي علمهم وأهلهم تأهيلاً عالياً لا يقل مستوى عن البريطاني، ولكنهم للأسف يحصلون على الجنسية البريطانية وينسون الوطن الذي صرف عليهم من عرق الشعب السوداني المسكين، بينما يعود مواطنو الدول الأخرى مثل مصر الى دولهم لدفع ضريبة الوطن ويعملون على الاقل في أوطانهم فترة لا تقل عن عشر سنوات ..هذه يا صديقي خيانة وطنيه عظمى”! * ويضيف: “انظر يا صديقي إلى عدد السودانيين العاملين في الخليج والدول الغربية، إنهم لا يرسلون العملات الصعبة التي يتحصلون عليها إلى بلادهم، بل يستثمرونها خارج بلادهم، صديقي العزيز أنا حتى اليوم أتابع أخبار السودان وما يحدث عندكم أمر مؤسف للغاية، والسبب الرئيسي أنكم شعب بلا وطنية شعب بلا مسؤولية، شعب خائن يخون بلده ويخون بعضه بعضا، أنتم بلد ذاهب الى الجحيم، واعتذر لك عن هذه اللهجة القاسية لأنني أحب بلدكم، ولكنني احتقر مواطنيه لعدم وطنيتهم “! * يقول السوداني: “حقيقة تأسفت جداً لسماع هذا الرأي القاسي ولكن لمعرفتي بشجاعة أولئك البشر في إبداء الرأي، تقبلتُ وجهة نظره دون أي اعتراض، وشكرته على صراحته وشجاعته في إبداء رأيه دون تحفظ” (انتهى) . * قد يكون الحوار منحولاً، ولم يحدث في الحقيقة، ولكنه طرح قضيتين مهمتين جداً، هما عدم عودة المبعوثين للدراسة في الخارج على حساب الدولة لأداء ضريبة الوطن، والثانية امتناع المغتربين عن تحويل أموالهم الى السودان، فهل هي فعلاً عدم وطنية، كما يقول الخواجة، أم شيء آخر؟!

صحيفة الجريدة

Exit mobile version