على الرغم من حالة التراجع المخيف؛ الذي ضرب المجتمع السوداني؛ بسبب حالة الفراغ الكبير للدولة بكافة مستوياتها؛ والذي هو سبب رئيس لحالة عدم التوافق والانسجام بين المكونات السياسية؛ فضلاً عن وجود الاطماع الدولية تجاه الموارد السودانية المختلفة؛ لدرجة أن كثيراً من المشفقين يتساءلون: لماذا هذا التراجع المخيف والمحزن للسودان على كافة الصعد؛ بينما يحتضن بين جنبيه النيل العظيم اضافة لأراض شاسعة ومساحات وافرة؛ وخيرات لا تحصى في باطن أرضه وظاهرها من الثروات والموارد؟
والاجابة؛ ان نخبنا وصفوتنا – أهل السياسية- لا زالوا يصطرعون على (اللاشيء)؛ في كيفية قسمة الموارد.. وفي سبيل هذا الصراع العنيف نسوا وتناسوا السودان وانسانه العظيم وتاريخه الضارب في عمق الحضارة الانسانية.. وفي غمرة الصراع تنامت بين الناس والمجموعات والنخب والجهويات (عقدة الأنا).. وارتفعت أصوات خطاب التعنصر والكراهية؛ التي تشي بمجمل المؤشرات فيها؛ أن السودان لا يتفاءل بالخير.
رغم كل هذه (الصورة المعتمة).. تظل هناك بعض الصور و(الاشراقات) تطرأ على سطح الأحداث مرة بعد مرة لتؤكد.. أن السوداني بطبعه أصيل وصاحب مروءة.. ويتميز بصفات نادرة؛ هي التي تجعل هذا البلد عصياً على (التقسيم والشيطنة والصوملة).. فتطل بين صفحات العتمة؛ صور باهرة لرجال ومجموعات؛ وشباب في هذا البلد تدفعك نحو الحلم بالسودان القادم.. وتبشرك بأن (أشرعة الأمل) ما زالت مليئة برياح التفاؤل.
أمس كنت مشاركاً في حفل بسيط المحتوى وعظيم الدلالة في نفس اللحظة؛ ويؤكد على أصالة وعراقة هذا الشعب؛ فقد قامت (شركة شاتيك للخدمات الفندقية والسياحة) بتدشين مشروع (نفرة الخير) والخاص باطلاق مليون وخمسين ألف وجبة لطلاب المدارس.. وهي بذلك تعود لركيزة مهمة من ركائز المجتمع السوداني لتحييها من جديد؛ وهي ركيزة (التكافل والتعاضد والتآزر) بين أفراد وجماعات هذا الشعب.
المشروع جاء بعد أن تزايدت اعداد الطلاب المتسربين من المدارس بطريقة مزعجة؛ وحسب افادات المسؤولين في وزارة التربية والتعليم أن السبب الرئيس لهذا التسرب هو غياب (وجبة الافطار) بالنسبة للطلاب؛ خاصة في المناطق الطرفية للعاصمة.. وقد درجت الشركة على القيام بهذا المشروع سنوياً؛ اسهاماً منها في بند المسؤولية المجتمعية.. لكن أن تختار الشركة فئة الطلاب لتقدم هذا العمل؛ تكون بذلك قد وضعت اصبعها على مكامن الجرح؛ فالطلاب هم شريحة مهمة في المجتمع؛ ومنها يتشكل مستقبل السودان القادم.. فقد أشارت كل الاحصاءات أن السودان دولة شابة.. حيث يمثل الشباب 70% من نسيجه السكاني.
ما لا شك فيه أن الاهتمام بهذه الشريحة وتذليل العقبات أمامها؛ لتنال حظها من التعليم في ظل هذه الظروف الضاغطة التي يمر بها الوطن؛ يعتبر مشروعاً مستقبلياً بامتياز؛ ويستثمر في أجيال السودان القادمة؛ ولا يسعنا في هذه المساحة الا أن نتقدم بالشكر الخالص للقائمين على أمر هذه الشركة؛ وهي تؤكد استمرارها للعمل في هذا الحقل؛ للموسم الثامن على التوالي.. وتقدم مثالاً لبقية الشركات أن تسير على خطاها؛ لتهيئة البيئة المدرسية للطلاب؛ خاصة اولئك الذين ينحدرون من أسر رقيقة الحال.
صحيفة الانتباهة