إذا كنت متابعاً للشأن العراقي فقد تكون عارفاً بالاعتصامات التي تقودها تنظيمات مختلفة في سياق صراع الديكة على السلطة، وقد لا يعجبك لجوء قوة مسلح إلى البنادق لتفريق جماهير غاضبة، وكما يحدث كثيرا في العراق سيقال إن الفاعلين مجهولون، ولكن ربما فاتك خبر شديد الأهمية وشغل شرائح من المجتمع العراقي، ويتعلق بالصراع الدموي الذي كان أبرز أطرافه البرمكي وأبو عبده، والذي انتهى بتتويج البرمكي بطلاً بلا منازع، بعد فشل محاولات أبو عبده اليائسة لتحويل مجرى الصراع غير المتكافئ لصالحه، وحتى محاولته الهرب من ساحة الصراع باءت بالفشل، لأن البرمكي انقض عليه بلا رحمة وأشبعه جراحاً دامية. وعلى ذمة الصحف التي أوردت تفاصيل ذلك الصراع فإن البرمكي وأبو عبده، لا ينتميان إلى أي من الفصائل المتناحرة في العراق، فلا هذا من الحشد الشعبي ولا ذاك من الحشد الداعشي أو التيار الصدري أو النوري المالكي، ولا أحدهما من حزب الدعوة والآخر “مالوش دعوة”، بل هما ديكان اشتركا في مصارعة حرة شرسة، لا يستطيع حتى روك أو جون سينا الصمود فيها، وعلى البرمكي خوض مباريات أخرى ضد ديكة ريفية وحضرية، كي يكسب لقب ديك ديوك العراق!. لدينا مثل سوداني يقول: الفاضي يهمز أمه، والهمز هنا هو اللكزة أي الطعنة الخفيفة بإصبع في أحد جنبي الجسم، مما يجعل المهموز يقفز متحسساً أو ضاحكاً، والمقصود بالمثل أن الشخص الذي ليست لديه حرفة أو شيء مفيد يملأ به وقت فراغه يقوم بعمل غير لائق، فليس من الأدب أن “تهمز” أمك، والمنشغلون باختيار ديك ديوك العراق بالتأكيد قوم يفتقرون إلى الحد الأدنى من المادة الرمادية التي تملأ تجاويف رؤوس معظم بني البشر، وصراع الديكة معروف لدى العديد من الشعوب، ولكنه لا يليق بأفراد شعب سالت منهم الدماء حتى شكلت نهرا جديدا إلى جانب نهري دجلة والفرات. المحزن أننا قوم نهتم بتوافه الأمور، حتى في الظروف التي تتطلب الحزم والعزم، نمارس التهويل من أمر أنفسنا والتهوين من أمر العدو! وصدام حسين أقنعنا بأن إيران هي عدوتنا فشنّ عليها “قادسية” القرن العشرين، وبعد ثماني سنوات من الاقتتال اتضح أنه لا صدام هو سعد بن أبي وقاص الجديد أو خالد بن الوليد، واتضح أيضا أن جيشه لم يكن أفضل حالاً من جيش خلفه نوري المالكي، ولم تكن إيران من الضعف بدرجة أن يجتاحها صدام كما كان يحلم، ولم تكن من القوة بحيث تطيح به وتحتل العتبات المقدسة في النجف وكربلاء كما كان يردد الملالي. انظروا حال الجيش العراقي الذي أنفق على تسليحه رئيس الحكومة السابق نوري المالكي ثلاثين مليار دولار، وكيف أهلك على مدى ثلاث سنوات من أهل الموصل الأبرياء ألف ضعف من أهلكهم من داعش، وجميع الدول العربية ظلت تهدد إسرائيل بالفناء، ولكن فقط شفاهة ومن باب إبراء الذمة، بينما تحولت إسرائيل إلى قوة قادرة على هزيمة الجيوش العربية مجتمعة، لا لأن جنودها أفذاذ ولا لأنهم أكثر شجاعة وصموداً، ولكن لأنهم يأخذون مسائل الحرب بجدية وجاهزون لها على مدار السنة. وتحضرني هنا أبيات شعر كتبها “فرقعون الفرعون” محيياً الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لوقفته الصلبة الى جانب إسرائيل: يا مرحبا يا بوش مليون يا من مشاعر شعب موسى سكنها حنا معاكم لين غصب (ن) يطيعون ولا نحظ أجسادهم في كفنها والله ما أوقف قتل حتى يقولون كوهين الأرض المقدسة ملكها ولا تقصر بفيتو ليا جوك يشكون والباقية كوهين والله ولدها وفي الأنباء أيضاً أن حفل عرس في الأردن تحول إلى عرس دم، لا صلة له بـ “لوركا”، عندما اختلف شابان حول قضية مصيرية هي: من يقود الدبكة؟ فقتل أحدهما الآخر تأسيا بقول الشاعر: ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر (غارثيا لوركا شاعر إسباني كتب مسرحية عرس الدم) وبعد مصرع القائد الدبكاوي هاج أهله وأحرقوا منازل ومتاجر عشيرة القاتل، وليس من المستبعد أن تتخذ الولايات المتحدة من الحادث ذريعة لإدراج الدبكة والمدبكين في قائمة الأشرار!.
صحيفة الشرق