محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب.. مشروع للتسوية مع (9) طويلة

(1)

 اللصوص في الافلام العربية القديمة (ابيض وأسود) كانوا يظهرون على الشاشات بأشكال دميمة لا تألفها النفس، وأجساد (متفرقة) العضلات من غير ان يكون هناك تناسق وانسجام بينها.. كما يصفهم عادل امام تماماً في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) حينما يصف احدهم : (رجل ضخم الجثة، عريض المنكعين، مفتول العضلات، مشتهم الأبعاع، شنكول الحركات، مشرئب الفلنكات، شلولخ).

 وشلولخ تلك لا ادري من اين جاء بها عادل امام؟

 ادوار اللصوص نفسها في الدراما العربية القديمة ارتبطت بممثلين محددين اقترنوا في ذهنية المشاهد العربي بـ (الشر) امثال محمود المليجي وفريد شوقي وعادل ادهم وتوفيق الدقن وجاء بعدهم حمدي الوزير الذي يعتبر اشهر (مغتصب) في السينما المصرية.

 توفيق الدقن قال في احدى الحوارات انه كان في الواقع عندما يذهب الى مخبز او متجر او يدخل الى الاسواق كانوا يهربون منه لاعتقادهم بأنه (لص) وان الامر ليس قصراً على الدراما.. كما ان والدته ماتت وهي غاضبة عليه بسبب ادوار الشر التى كان يجسدها في الدراما وهي تظن ان ابنها كذلك.

 تلك المعايير والانطباعات التى كنا نحملها عن اللصوص تغيرت في السنوات الاخيرة وتبدلت وحدثت للصوص (نقلة) ثقافية وحضارية واجتماعية كبيرة وأصبح (اللص) يتميز بالوسامة والاناقة وخفة الدم بعد ان كانت (الخفة) فقط في اليد، ليجسد دوره على الشاشة نجوم تميزوا بالملاحة والادب والثقافة امثال احمد عز وهاني سلامة في الاطار (الشكلي) اما في الاطار (الكوميدي) وفي خفة الدم فقد جسد شخصيته في السينما العربية هاني رمزي واحمد عيد واحمد حلمي.

 هذا التطور الذي حدث في جانب (الاجرام) لم يصحبه تقدم في الجانب القانوني والبوليسي لمكافحة الاجرام والمحاسبة عليه.. بل ان (البوليس) في الدراما العربية والهندية كذلك ما زال يظهر (ساذجاً) ويأتي في اخر مشهد في الفيلم وهو اخر من يعلم كما في واقعنا تماماً. وأحياناً يكون البوليس جزءاً اصيلاً في الجريمة ومشاركاً فيها خاصة في الافلام الهندية.

 معروف ان عربة المطافئ تصل الى مكان الحريق في الذكرى الاولى او الثانية للاشتعال الحريق.

 اللص اليوم يمكن ان يكون مسؤولاً كبيراً ويمكن ان يكون صحفياً ويمكن ان يكون دكتور او مهندس او تاجر او محامي.. لقد اصبح اللصوص في اعلى المراتب والوظائف الكبرى، يحدثون الناس عن الدين والأخلاق والفضيلة وما الجرائم التى حدثت من بعض الشيوخ في بعض الخلاوي إلّا دليلاً على ذلك. اما على المستوى السياسي فحدث ولا حرج.

(2)

 عصابات (9) طويلة حولت ليل الخرطوم الى (جحيم) وجعلت شوارع العاصمة القومية التى يوجد فيها (10) جيوش غير آمنة.

 هذه القدرات والثقة التى تمتلكها عصابات النقرز في نشر الذعر والرعب والخوف بين الناس لا يمكن ان تكون بهذه الجرأة إلّا اذا كانت مسنودة من جهات عليا.

 يتحرك المجرمون واللصوص في شوارع الخرطوم الرئيسية بطمأنينة لا يجدها المواطن وهو في بيته.

 الخرطوم في هذه الايام تشهد تفلتات تجعلنا نقول وما هو الدور الذي تقوم به الشرطة؟

 اللص قبل سنوات كان عندما يسرق الهاتف الجوال وان كان ذلك ليلاً ومن البيت كان يترك (الشريحة) بعد ان يخرجها من الهاتف الجوال ويضعها في مكان واضح في البيت خدمة لصاحب الموبايل المسروق.

 وكان اللص الذي يسرق (الحذاء) الجديد من الجامع يضع بديلاً له حتى لا يذهب صاحب الحذاء المسروق الى بيته (حافياً).

 وكان الذي يسرق (المحفظة) في المواصلات العامة يترك لصحابها ما يمكن ان يوصله الى منزله.

 كان حتى اللصوص عندهم اخلاق وذوق.. غير لصوص هذا الزمن الذين يستهدفون (البنات) ليخطفوا حقائبهن وهن طالبات لا حول ولا قوة لهن.

 نحن نفقد (اخلاقنا) ومروءتنا وشهامتنا.. في حقيقة الامر من هذه السرقات والتفلتات الامنية التى تعم ارجاء البلاد لا نفقد فقط (الموبايلات) ما نفقده اعظم من ذلك.

 لهذا نسأل السلطة ؟ ونقول اين الشرطة ؟ وأين هم مما يحدث في الشارع؟

 البيانات التى تصدرها الشرطة مضحكة وهي تعكس اموراً خلاف الواقع الذي نعيشه.

 اضحك عندما اقرأ بياناً للشرطة تخاطب فيه المواطنين لتوخى الحيطة والحذر من امطار متوقعة او فيضانات قادمة والحاجة لتوخى الحيطة والحذر من عصابات النقرز اكبر.

 توخوا الحيطة والحذر من عصابات (9) طويلة اما الامطار والسيول والفيضانات فهي مقدور عليها.

(3)

 اذا فشلت السلطات في اثبات الأمن والقضاء على التفلتات والفوضى التى يعيشها الشارع بالقانون والقوة العدلية .. على الحكومة ان تدخل في (تسوية) مع عصابات (9) طويلة.

 التسويات الجارية الآن لا تختلف كثيراً عن التسوية مع (9) طويلة.. بل ان الشعب السوداني في حاجة الى تلك (التسوية) اكثر من التسويات الاخرى اذا كانت الحكومة عاجزة عن تطبيق القانون ونشر الطمأنينة بين الناس.

 اعطوا حزب (9) طويلة بعض المقاعد الدستورية في الدولة وامنحوهم مناصب وزارية رفيعة .. وادخلوا معهم في (مساومة) سياسية تنهي تلك الفوضى. الذين سوف يفاوضوهم من السلطة لا يختلفون عن من سوف يفاوضوهم في (9) طويلة كثيراً فلماذا الاستغراب والاستعجاب؟

 ليس الفاعل بأفضل حال من المفعول به في هذا الامر… كلهم سواء.

(4)

 بغم

 التسوية في المفهوم الشعبي – هي المشي في امر غير قانوني بشكل قانوني.

 لهذا نقول ما جدوى كليات القانون في الجامعات السودانية وكل قضايانا تنتهي بتسويات.

 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الانتباهة