هل باتت التسوية السياسية وشيكة في السودان؟

يحفل المشهد السوداني بخطوات متسارعة في اتجاه تسوية سياسية تنهي الأزمة التي تفجرت بوقوع انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بحجة إصلاح المسار، إذ دخل المكون العسكري وقوى “الحرية والتغيير” (المجلس المركزي) في لقاءات مباشرة تهدف إلى التوصل لاتفاق شامل بموجب إعلان دستوري جديد يعيد مسار الانتقال الديمقراطي وصولاً لانتخابات عامة بنهاية الفترة الانتقالية.

فما حقيقة ما يدور من نقاشات في شأن هذه التسوية، وأين وصلت من خطوات عملية باتجاه تشكيل الحكومة الجديدة المقبلة؟

تفاهمات متقدمة

في الأثناء، قال رئيس المكتب السياسي في حزب الأمة القومي السوداني محمد المهدي حسن “ما يتداول من معلومات حول التوصل إلى تسوية تنهي الأزمة السياسية التي تسبب فيها انقلاب البرهان لا تتعدى نسبة صحته وحقيقته 50 في المئة، صحيح هناك حوار مباشر بين المكون العسكري يقوده رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وقد توصل إلى تفاهمات متقدمة، لكن لا ترقى إلى أن تسمى اتفاقاً شاملاً، إذ هناك جوانب كثيرة تحتاج إلى إيضاح”.

أضاف حسن “محور النقاش حتى الآن يدور حول الدستور الانتقالي الذي قامت بوضعه اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، إذ أبدى المكون العسكري ملاحظات عدة يتم النقاش حولها، وبالتأكيد هذا الحوار سيقود إلى إعلان سياسي واتفاق دستوري بين الطرفين، بالتالي إنهاء انقلاب 25 أكتوبر وإسدال الستار على هذه الأزمة التي أكملت العام”.

خطوة جيدة

في السياق، رحب القيادي في الجبهة الثورية محمد إسماعيل أركان بأي تسوية تنهي حال التأزم والتشرذم في المشهد السياسي وما رافقها من سوء الأوضاع سياسياً واقتصادياً وأمنياً، “لكن ألا تمس هذه التسوية اتفاق جوبا للسلام الموقع مطلع أكتوبر 2020 بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح”. وتابع أركان “في تقديرنا أنه طالما هناك مساع للتوقيع على اتفاق، ما يعني وجود توافق بين مكونات القوى السياسية، فهذه خطوة جيدة باتجاه الاستقرار وهو ما ينشده الجميع في ظل تردي الأوضاع بخاصة المعيشية إلى الأسوأ، فمعلوم أنه في السابق، كانت أطراف الحكم تتمثل في المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير وحركات الكفاح المسلح، وبعد 25 أكتوبر خرجت الثانية من المشهد السياسي، وطالما استؤنف الحوار من جديد بين الشريكين السابقين، وتعهد العسكر بالابتعاد عن السلطة، فهو التصور نفسه الذي دعت إليه مبادرة الجبهة الثورية، التي طرحت وثيقة دستورية لا تختلف كثيراً عن الإعلان الدستوري لنقابة المحامين”.

أحضان الخارج

في هذا الوقت، رفض نائب رئيس قوى الحراك الوطني عبدالله مسار ما يجري الإعداد له من تسوية سياسية بين المكون العسكري وقوى “الحرية والتغيير” (المجلس المركزي) تقود الأخير إلى سدة الحكم من جديد، وهو ما يعني الارتماء في أحضان القوى الخارجية والابتعاد عن القرار الوطني، بالتالي يكون المكون العسكري في حال توقيعه على مسودة هذا الاتفاق قد وقع في خطأ كبير يحسب عليه لأنه أعاد الاستعمار إلى السودان مرة أخرى. وحذر مسار، في مؤتمر صحافي عقد الخميس 13 أكتوبر، كلاً من البرهان وحميدتي من وضع رقابهما في المقصلة بالتوقيع على وثيقة جزئية هي الأسوأ في تاريخ السودان، واصفاً قوى “الحرية والتغيير” بأنها طفيلية فشلت في إدارة شؤون البلاد، كما طالب البرهان الالتزام بما دعا إليه من توافق وطني شامل، بحسب ما جاء في بيان 25 أكتوبر. وقال إن المكون العسكري هو الضامن الوحيد لهذه البلاد، لذلك يجب عليه عدم التوقيع على مسودة الدستور الانتقالي الجديد الذي أعدته نقابة المحامين السودانيين، وعدم التفاوض من دون توافق سياسي جامع.

كذلك، حذر رئيس قوى الحراك الوطني التجاني السيسي من التسوية الجزئية التي لا تشمل كل القوى السياسية، قائلاً “لقد طالبنا بالتسوية الشاملة من دون إقصاء”، داعياً مجلس السيادة إلى توضيح ما يجري من مفاوضات بين المكونات السياسية الأخرى من دون توافق وطني شامل. وبين السيسي أن التسريبات التي رشحت حول التسوية زادت من الانقسامات داخل الساحة السياسية، وأن التدخل الخارجي أصبح واضحاً، خلال الأسابيع الماضية.

إنهاء الانقلاب

وكان المكتب التنفيذي لقوى “الحرية والتغيير” عقد، الأربعاء 12 أكتوبر، اجتماعاً ناقش التطورات السياسية في البلاد واستمع لتقرير من لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية حول العملية السياسية ومستجداتها. وبحسب بيان لتحالف قوى “الحرية والتغيير”، فإنه عقب نجاح اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين في جمع طيف واسع من الفاعلين السياسيين حول مشروع الدستور الانتقالي الذي اكتسب زخماً داخلياً وخارجياً، وكانت قوى الحرية والتغيير من الفاعلين في تطويره، تموضع المشروع كأساس مقبول لإنهاء انقلاب 25 أكتوبر وتأسيس سلطة مدنية حقيقية تنفذ مهام الانتقال الديمقراطي وقضاياه.

وتابع البيان “تلقى التحالف عبر اتصالات غير رسمية مع المكون العسكري ما يفيد بقبول مشروع الدستور الانتقالي كأساس للحل السياسي، مع وجود بعض الملاحظات المحدودة حوله، وعليه شكل لجنة لتلقي هذه الملاحظات ونقلها لهيئات التحالف للبت فيها ودراستها”. وأضاف “نقلت اللجنة الملاحظات لاجتماع المكتب التنفيذي الذي قرر صياغة ورقة تشكل موقفه من قضايا إنهاء الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة، على أن يخضعها لتشاور مع قوى الثورة والقوى المتوافقة على مشروع الدستور الانتقالي لتشكل أساساً متوافقاً عليه بين أوسع قاعدة من أصحاب المصلحة في التحول المدني الديمقراطي”.

توافق عريض

وأكد البيان أيضاً عدم صحة الأخبار المتداولة عن وجود أي اتفاق قد تم وأنها لن تمضي في أي حل سياسي من دون توافق عريض يشمل قوى الثورة والانتقال الديمقراطي. وجدد البيان تأكيد موقف قوى “الحرية والتغيير” الثابت بأن الحل السياسي المقبول للتحالف هو الذي يؤدي لطي صفحة الانقلاب كلياً، وتأسيس سلطة مدنية كاملة، وينأى بالمؤسسة العسكرية عن العمل السياسي ويقود لجيش واحد مهني وقومي وفقاً لإصلاحات شاملة محددة المواقيت والإجراءات، ويخاطب قضايا العدالة بصورة منصفة وشاملة، ويفكك بنية نظام 30 يونيو (حزيران) 1989، ويقود لانتخابات حرة ونزيهة في نهاية الفترة الانتقالية تمكن الشعب السوداني من التعبير عن إرادته الحرة واختيار ممثليه بصورة نزيهة وشفافة.

وحض تحالف “الحرية والتغيير” القوى المقاومة للانقلاب والمتمسكة بالانتقال الديمقراطي واستعادته على رص صفوفها لاستكمال مسيرة تحقيق تطلعات الشعب المشروعة في الحرية والسلام والعدالة في دولة مدنية ديمقراطية، مؤكداً إيمانه بمقدرة الشعب السوداني على الانتصار في نهاية المطاف وتحقيق أحلامه وتطلعاته المشروعة.

إسماعيل محمد علي
صحيفة الانتباهة

Exit mobile version