دكتور ياسر أبّشر يكتب: البرهان بين الكُنكان وهَمْ السودان
شاهدت ثلاثة نفرٍ من الذين ابتلي بهم السودان، فهم يفسدون ولا يصلحون، يسبون البرهان قائد جيشنا العظيم. نعم سبوه وتوعّدوه وهددوه بغيابة السجن. تذكرت عندها مقالة الأعرابي الحكيم:
أرَبٌّ يبول الثعلبانُ برأسه؟
لقد هانَ من بالت عليه الثعالبُ
ولأول مرة في تاريخ الجيش السوداني يتجرأ ثلاثة بسب وتهديد قائد الجيش، ويبلغون منه ما يكره الجيش.
ولقد ساءني هذا الصنيع.
وشد ما ساءني أن قائد جيشنا الهمام لم يُبد استنكاراً ولا شدّد نكيراً.
مَنْ يَهُنْ يسهُلُ الهوانُ عليه
ما لجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ
وجراء تكرار الذلة “والضّلة والهَانَة” أيقنت الآن أنهم “ماسكين عليه ذلة”.
والعسكر ينتفضون كأُسدِ الشّرَى متى ما مُسّ “شرفهم العسكري”، دع عنك أن يداس من بعض من يُشَكُ في ذمته وتلاحقه الاتهامات!! إلّا أن الاستثناء منهم هو صاحبنا هذا، فقد قتل الأنذال فيه عِزّة العسكر وكرامتهم فاستكان.
ويبدو لي أن الظلم الذي أوقعه البرهان بأبرياء والظلم الذي سكت عليه أراد الله أن يبديه له إهانةً، (ومن يُهِنِ اللهُ فما له من مُكرِم).
فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الَّذي طافَ حَولَهُ
رِجالٌ بَنَوهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرهُمِ
أنه تعاقب على حكم السودان من قبله جنرالات عظام، وما رأى الناس فيهم ذليلاً. ما وجدنا فيهم من يبلع لسانه، ولا من يُجبَر على تغيير قراراته، ولا من يستطيع أحدٌ أن يتجاهلها.
بل وجدنا فيهم النموذج الذي خطّه جنرال جورج باتون: “قل ما تعنيه، واعنِ ما تقله”
“Say what you mean and mean what you say ”
بكل وضوح الفرسان .
لم يُرزأ السودان من قبل بجنرال يتخذه السفراء ألعوبة، ولم نعهد منهم ضعيفاً منكسراً أمام الدول الأجنبية تُصَرّفه أنى شاءت.
ابتلي السودان بناشطين أمسكوا بأزمّة الأمور فارتفع رغيف الخبز خمسين ضعفاً وقائد البلد واجمٌ ساكت لا يبدي حِراكاً، وأغلقت المستشفيات وانعدم الدواء والجنرال في عالمه يلعب الكنكان في استراحة الأمن على شاطئ النيل الأزرق الشرقي، وانهار حتى تعليم الأساس، وانهارت صروح العدالة، وأصبح السلب والنهب يجري في قلب الخرطوم التي كنا نفخر بأنها آمنة مطمئنة وسيدنا لا يأبه.
وصدق أبرهام لينكولن حين قال:
“إن شئت أن تَسْتَكْنِه شخصية إنسان فاعطه سلطة”
” if you want to test a man’s character, give him power”.
وها قد خبرناك:
لم تأخذ السلطة بحقها، ولا ترغب في أن تحيلها للشعب صاحبها بانتخابات. فأنت تتآمر مع شياطين قحت وسفارات المستعمرين، والمستحمرين من الأعراب، للتسويف ومد الفترة الانتقالية أعواماً عديدة..
ما وعظك فشلهم ولا فسادهم ولا انتهاكاتهم للقوانين وحقوق شركة القارص المليارية ورصيفاتها، وهذا مثال واحد.
وما استفزتك شتائمهم واستهدافهم للجيش!!
إنك إذاً منهم.
كل الجنرالات الذين حكمونا شادوا صروحاً وعمروا يباباً، لكن عهدك شهد خراباً وتباباً.
لبئس أخو العشيرة أنت.
ذكرتني بالطاهر ود حاج الحسن، الذي ورث عن أبيه الثري مالاً كثيراً، وظل مقيماً عليه يأكله، وبقي عمره كله عاطلاً، فأصبح بين الناس عاطلاً عن كل مكرمةٍ أو مأثرة. فلما توفي حاج عثمان، الذي كان كريماً أجواداً، طفقت النسوة يبكينه ويذكرن مآثره، كما نبكي نحن عبود والنميري وسوار الدهب والبشير، فالتفت عثمان العضير للطاهر وقال له:
“إنت كان مُتّ يا الطاهر النسوان ديل يبكن يقولن شنو؟ يقولن يا حليلو البمشي السوق الساعة اطناشر ويا حليلو البتريّح بالكلونيا؟؟”
تتآمر لِتُرجِعَ لنا نسختك الجديدة من قحت وقد بلونا الـمُرّ من ثمرها جوعاً ومرضاً وخوفا ؟؟
عندها أبشر سيدي فإن مما أدرك الناس من حكم الفرنجة قولهم:
“إن الرجل الذي فوق قمة الجبل لا يسقط حيث هو”
“The man on top of the mountain didn’t fall there.”
ولتعتبر بما قاله الاسكندر الأكبر، وكان جنرالاً عظيماً، وهذا ما لا أرضاه لك، وحاشا لجيشنا انطباق المثل، لكنها العظة والاعتبار:
“إن جيشاً من خراف يقوده أسد خير من جيش من الأسود يقوده خروف”
“An army of sheep led by a lion is better than an army of lions led by a sheep.”
ولما كانت قحت حاكمة لم يُنعم علينا سادتها بما يسد رمقنا أو يشفي مريضنا، كل الذي فعلوه هو استهداف قيمنا وثقافتنا عبر تغيير القوانين وتنصيب مسؤولة النوع وأمثالها من المنحرفين. ثم اذكر لي بلداً واحداً طوره هؤلاء السادة بعد أن مكّن لهم عملاؤهم فيها؟
سيدي كل الذي يبغيه السادة هو السيطرة على مواردنا وتغيير قيمنا وهويتنا ومسخنا ثقافياً، ولا ينبئك مثل خبير.
دكتور ياسر أبّشر