ليست صدفة.. فيما كان رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان يخاطب أهل كدباس عن انفراج سياسي مرتقب، استقبل نائبه محمد حمدان دقلو زعماء الآلية الثلاثية بالخرطوم، حيث أشاروا إلى قرب الوصول لتسوية مرضية لكل الأطراف، وقال ممثل الاتحادي الأفريقي، محمد بلعيش: (نقترب أكثر فأكثر من تسوية مرضية لكل أطراف العملية السياسية)..!! :: وحسب التسريبات، فالتسوية تُطبخ على نار هادئة، وفي غرف مظلمة، كما وصفها حاكم دارفور مناوي.. ومبدئياً يجب دعم كل الخطى التي تؤدي إلى الاستقرار السياسي، لتتبادل الأحزاب السلطة (سلمياً)، فهذه غاية عظمى.. ولكن، لأن البدايات الخاطئة لا تؤدي إلى خواتيم صحيحة، فالتسوية يجب أن تكون عادلة ومكشوفة و.. (شاملة)..!! :: لقد أخطأ البرهان سابقاً بتسليم السلطة لمن زعموا أنهم يمثلون الثورة، وهم في حقيقة الأمر ما كانوا يمثلون إلا أنفسهم وبعض الأحزاب.. فالسواد الأعظم من شباب الثورة غير متحزب، ولذلك كان تسليم العساكر للسلطة لتلك الأحزاب كعطاء من لا يملك لمن لا يستحق.. وقد دفع الشعب والبلد ثمن ذاك الخطأ الفادح، ولا يزال يدفع..!! :: ثم منعاً لإعادة إنتاج الأزمة، فإن النسخة القادمة لحاضنة الحكومة يجب أن تختلف عن تلك النسخة الخاطئة (نسخة المحاصصات).. يجب أن تختلف، ليس اختلاف أسماء فحسب، فمن المحن التركيز على الأسماء، ثم غض الطرف عن البرامج والمشاريع، وهذا ما حدث في تلك النسخة الخاطئة (نسخة النشطاء)..!! :: وكما تعلمون، كأنها تفاجأت بسقوط نظام البشير، ثم تفاجأت بنفسها حاضنة سياسية، أطلت تلك النسخة على الشعب (بلا برنامج).. ولأنها كانت بلا برامج، عجزت عن تقديم الحلول لكل قضايا المرحلة.. والأدهى، أن تلك الحاضنة لم تعجز فقط عن حل القضايا، بل كانت ترفُض حلول حكومتها بشكل غريب..!! :: وعلى سبيل المثال، رغم مَحَاسن وقوف السودان على مسافَة واحدة من كل دول العالم بما فيها إسرائيل، ورغم مَحَاسن ترشيد الدعم بحيث يذهب لمن يستحقه فقط، ورغم مَحَاسن سلام دارفور والنيل الأزرق، فإن حاضنة النشطاء ظلت ترفض حياد السودان وتتحفظ على السلام وتعارض ترشيد الدعم.. هكذا.. لم يكن لها من البرامج غير (نرفض بس)..!! :: وعليه، مع حاضنة واعية، يجب أن يأتي التشكيل بكفاءات مستقلة لإدارة دفة الجهاز التنفيذي بمهنية، ثم تشرع في بناء دولة المؤسسات.. ثم تفك كل أنواع الاحتكار لصالح الاقتصاد الحر؛ لتصبح المنافسة بالجودة والسعر.. مع تأسيس مناخ سياسي مُعافى بحرية غير مطلقة وديمقراطية راشدة؛ دون المساس بأمن البلد وسلامة المجتمع..!! :: وما يجب أن يكون من أهم مهام حكومة النسخة القادمة الانتقال بالبلد من مرحلة الركود والفوضى إلى مرحلة الدولة؛ ليتفرغ الشعب للبناء والإنتاج، وتتفرغ الأحزاب للانتخابات، فالبدايات الخاطئة أهدرت ثلاث سنوات من عمر الشعب والبلد في (طحن بلا طحين)، وليس من العقل إهدار المزيد، فالتسوية يجب أن تأتي شاملة، وليست ثنائية..!! :: ثم أن المسؤول قد يكون مُخلصاً وصادقاً، ولكن يجب أن يتحلى بصفات (رجل دولة)، ومن أهم الصفات ألا يكون مُهرِّجاً.. فأبعدوا التهريج عن حكومة التسوية، حتى لا يكون حالها كحال حكومة النشطاء، ويصبح البرهان كالأب الذي ذهب بطفله إلى المدرسة، فطالبوه بتغيير اسم الطفل، وكان اسمه (أحمد زفت)، فغادر المدرسة، وذهب إلى الأحوال الشخصية، ثم عاد بشهادة الاسم الجديد للطفل (أيمن زفت)..!!
صحيفة اليوم التالي