▪️ البديهي الذي لا يقبل الشك أن التفاوض المنفرد مع طرف منفرد لاتخاذ القرارات المصيرية سيعطي الطرفين امتيازااً خاصاً دون البقية، وإصرار قحت المركزي على التفاوض مع المجلس العسكري – رغم انسحابه لصالح تفاوض المدنيين – سوف يعطيه ميزة كبيرة، إذ لا يمكن أبداً أن يكون طرفاً فاعلاً في تفاوض حاسم ويخرج منه صفر اليدين كما تريد قحت، أو كما تقول إنها تريد، اللهم إلا إذا كان مترنحاً فعلاً، كما تصفه، وخائفاً يبحث عن السلامة مقابل الاستسلام !
▪️ وحتى في حالة الترنح والبحث عن السلامة مقابل الاستسلام تملك قحت خيار عدم قبول الصفقة، وانتظار السقوط، وهو الخيار الأكثر ربحاً لها . عدم تفضيلها لهذا الخيار يكشف عن عدم يقينها بوجود حالة ترنح، وسعيها للاستقواء، مرة ً أخرى، بالعساكر للانفراد بالأمر بعيداً عن زحمة القوى المدنية الأخرى، فيما يشبه الانقلاب لصالحها، لإيمانها بأن قابلية العساكر للضغوط الخارجية حقيقة أقوى وأحرى بالاستثمار من حقيقة ترنحهم !
▪️ قبل شهر تقريباً قال المسؤول السابق بالخارجية الأمريكية وليام لورانس إن ( ١١ شهراً أثبتت أن التظاهرات لا يمكنها أن تغيّر كثيرًا، وأن ما يجري وراء الكواليس هو المُعوَّل عليه )، وإن ( القوى الديمقراطية في السودان ستنتصر لا محالة ربما خلال أسابيع أو أشهر)، وهذا القول – الذي يحمل اعترافاً بعدم امتلاك قحت لكتلة جماهيرية حرجة تصنع فرقاً،- يعادل القول إن التأثير الأكبر في الواقع السوداني لا يصنعه الشعب السوداني، ولا جمهور قحت، ولا كل القوى السياسية، ولا حتى العساكر، وإنما يصنعه الخارج الذي يرعى/ يفرض “ما يجري وراء الكواليس” !
▪️ إذا أثبتت الأيام صحة ما تنبأ به المسؤول الأمريكي السابق، فإن هذا سيثبت أن أرباح قحت من التبعية وسياسة سفارة سفارة أكبر من خسائرها من التأثير السلبي لهذه السياسة على صورتها، وسيثبت صحة ما قاله الأستاذ جعفر حسن من أن كلمات العمالة والخيانة قد أصبحت كلمات قديمة وغير صالحة للاستخدام ( تاني قصة انتو خونة والكلام القديم داك، ياخي الكلام دا بقى ما جايب حقو والقصة بقت على المفتوح والناس مشت خطوات كبيرة )، وسوف يثبت أن القوى السياسية الأخرى قد خرجت، إلى حد كبير، من معادلة التأثير، وأن تأثير معاييرها للفضائل والموبقات السياسية على الرأي العام قد ضعف مما أدى إلى نجاة قحت بفعلتها ونجاح استثمارها في التبعية بأقل ثمن !
▪️ إذا وصلت قحت بحراسة المجلس العسكري إلى السلطة للمرة الثانية، وشرعت في توسيع قائمة “الدوس” لتشمل أحزاباً أخرى بدعوى دعمها “للانقلاب” عليها، وساعد المكون العسكري، بأي شكل، في إنفاذ هذا الدوس، فهذا سيثبت أنه كان يتحدث عن حقوق الأحزاب – عدا المؤتمر الوطني الذي كان وربما سيظل يساعد على دوسه – فقط لتحسين شروط تفاوضه مع قحت، وأنه عند الاتفاق ستكون أكبر تنازلاته على حساب هذه الأحزاب !
▪️ اختيار قحت إخراج كلمات العمالة والخيانة من القاموس واعتبارها كلمات قديمة تجاوزها الزمن يكشف عن قناعة راسخة عندها بأن كثيراً من أعمالها في الماضي والحاضر تحوم حول الحمى وتقع فيه في أغلب الأحيان، وتستحق الوصف بهذه الكلمات ما دامت قيد الاستخدام، وتثبت أنها تخطط للمزيد في المستقبل، وفوق ذلك تثبت أنها على قناعة تامة ببراءة خصومها الرئيسيين من هذه التهم، وإلا لكانت قد أبقت هذه الكلمات قيد الاستخدام وبرأت نفسها منها وألصقتها بهم كعادتها في كثير من موضوعات السجال السياسي !
▪️ اصرار الغربيين على وصف الشيوعيين، والسنابل، والجمهوريين، والرفاق المتسمين بالاتحاديين، والبعثيين والناصريين بالقوى الديمقراطية رغم التجارب الأم السلطوية في العراق ومصر وسوريا والاتحاد السوفييتي، وهي التجارب التي يعتزون بها ويقتدون، ورغم تهربهم من الانتخابات، ورغم الاعتراف الغربي بعدم امتلاكهم كتلة جماهيرية حرجة تصنع فرقاً باحتجاجاتها أو بتصويتها في الانتخابات، وسعي هؤلاء الغربيين لهندسة فترة انتقالية ثانية مصممة للتعامل مع الرغبات والمخاوف القحتية البعيدة عن الديمقراطية، كل هذا يجعل البحث عن علامات الديمقراطية التي جعلت الغرب يتصدق عليها بتسمية “القوى الديمقراطية” عبثاً لا طائل منه، والتركيز يجب أن يكون على قياس معدل التبعية الذي جعل الغرب يفعل هذا !!
▪️ لدينا تجربة جديدة في الحصول على ما يشبه الرضا الغربي، وربما حتى الرضا الإقليمي، هذه التجربة قد تسهِّل معرفة معدل التبعية المطلوب، وهي تجربة الأمانة السياسية للمؤتمر الشعبي، سنتعرف إلى هذا المعدل بإحصاء قائمة المواقف – خصوصاً من العلمانية، ومن الغرب وتدخلاته، وممن يصنفهم الغرب خصوماً أو أعداءً له – وهي المواقف التي جعلت الرباعية، بعد إضافة الإمارات، تنتقل من النظر إلى حزب المؤتمر الشعبي كألصق الفلول بحكم الإنقاذ منذ ميلاده، وفي توجهه الإسلامي، إلى النظر إلى الأمانة السياسية فيه كأحد الأطراف الأولى بمفاوضات “ما ورء الكواليس” !
إبراهيم عثمان