لم تكن الزعامة والسيادة في السابق مرتبطة بانتهاز الفرص أو استغلال الظرف القائم أو إظهار هالة من البهرجة و(البروبوكندا) كما يحدث اليوم.
السيادة والزعامة في السابق كانت تقوم على الملكات الشخصية، وعلى القدرات العالية وعلى الاتصاف بالحنكة والدهاء والحكمة؛ لذلك كانت ناجحة، وكانت تعبر تعبيرا حقيقيا لمركزها ولمكانتها.
قد يتم اللقاء بالزعيم صدفة، وقد لا تعرف مكانته إلا أنه من خلال شخصيته، ومن خلال ما يتصف به من نزاهة وشجاعة وعزة وإباء يعرف مباشرة أن الرجل صاحب مكانة وصاحب سيادة وعز وشرف.
عرف ذلك من خلال زعماء العشائر والقبائل ومن خلال لقاءات قادات الدول، فهؤلاء يظهرون إمكانيات وقدرات لا تتوفر إلا عند الزعماء والقادة إزاء المواقف التي عادة ما يقف فيها عامة الناس متفرجين لا يحركون ساكنا.
الأمر الذي لا ينطبق على قادة وزعماء هذه الأيام.
فقادة هذه الأيام ظهروا ليس بسبب إمكانياتهم وقدراتهم التي يتصف بها الزعماء، وإنما ظهروا بسبب انتهازهم واستغلالهم لظرف ما.
ظهروا بسبب موازنات وأحداث بعينها، فكل هذه الأسباب ليست كفيلة بأن تجعل منهم سادة وقادة وبالتالي يسقطون عند اول اختبار.
لقد أظهرت لنا كتب التاريخ وروايات الأدب الشعبي والقصص التي يتداولها ويرويها الناس في المجالس والمناسبات المختلفة كيف أن القادة والزعماء كانوا يختلفون عن غيرهم إزاء المواقف والأحداث.
فإن كان الموقف موقف شجاعة كانوا هم أول ما يبرز هذه الشجاعة.
وإن كان الموقف موقف كرم وأخلاق حميدة كانوا هم أول من يظهر هذا الكرم وهذه الأخلاق.
وإن كان الموقف موقف حكمة وتريث أظهروا هذه الحكمة والتريث.
أما إذا تساوى الزعماء والقادة مع العامة في الدهشة وردة الفعل وفي التباطؤ وفي الفرجة على الأحداث كما يحدث اليوم وكان لسان حالهم كلسان حال عامة الناس يقول لا ندري ولا نعرف كيف نخرج من هذه الورطة وظلوا يتساءلون كما يتساءل الناس ويركضون خلف المغانم ويتفاعلون وفقا للحظة ووفقا للحدث، فاعلموا أن هؤلاء تقلدوا هذه المناصب عن طريق الخطأ.
فلتعلموا أنهم وصلوا إلى هذه المناصب وفقا لظرف معين ولموازنات معينة.
لم تكن لصفاتهم وقدراتهم أي دور في الوصول إلى هذه المناصب.
إن تقليد المناصب السيادية دون إمكانيات ومؤهلات تفسره الحالة التي يعيشها السودان هذه الأيام.
حيث تمر فيه الأزمات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، ويزداد تشابك الفرقاء، ولا يلوح في الأفق أي حل، ولا يظهر أي انفراج في كل أزمة من أزمات الوطن.
لا فرق بين موقف الزعيم، وموقف المواطن العادي البسيط.
يظهر الزعيم إزاء كل أزمة دون أن يأتي بجديد.
بل وأحيانا كثيرة يكون موقف الزعيم صادما حيث يظهر أقل من وعي وإدراك المواطن العادي.
هنا يتضح أن زعامة هؤلاء زعامة سيارات وملابس وكراسي.
زعامة أمخاخ فارغة لا تتمتع بأي قدرات وإمكانيات.
أتت لهذه المناصب على حين غفلة من الزمان.
لا تعرف هذه الزعامات كما يقولون (الواو من الضكر).
ومن لا يقتنع بهذا الوصف لهذه الزعامات، فلينظر إلى حالنا اليوم.
أبسط الأزمات يقف الكل حولها مشدوها متفرجا زعيما كان أو رجلا عاديا.
الزعامة في السابق تفرض نفسها بإمكانيتها وقدراتها أما اليوم فتفرض نفسها من خلال انتهاز الفرص من خلال استغلال المواقف لذلك حينما تحل المصيبة يندهش هؤلاء الزعماء كما يندهش العامة، ويظهرون كما يظهر العامة، ويسألون كما يسأل العامة:
أين الحل؟
وكيف الخلاص؟
وأين المفر؟
فيا أهل السودان فلتبحثوا عن زعمائكم وقاداتكم، فقد اختفوا ولم يعد يظهر منهم أحد في الساحة.
من يظهر في الساحة مجرد أراكوزات لا علاقة لهم بالسيادة والزعامة.
لا يحلون عقدة ولا يعرفون مكانتها.
وقد صدق رسولنا الكريم حينما قال (…إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)
صحيفة الانتباهة