لماذا لا يشبع الجوعى وينتهي الفقر؟
تمنى الاقتصادي البنغلاديشي محمد يونس أثناء تسلمه جائزة نوبل للسلام عام 2006 تقديراً لجهوده في الكفاح ضد الفقر أن يرى عالماً خالياً منه “فالفقر لا يؤشر إلى تحضر المجتمعات البشرية، وعلينا أن نجعله أثراً يليق بالمتاحف”.
تمني الاقتصادي البنغلاديشي لا يخصه وحده، بل يشاركه به ملايين الاقتصاديين والسوسيولوجيين والعاملين في المنظمات والجمعيات الدولية والمحلية في أنحاء العالم، وقد شاركه هذا الشعور فلاسفة وملوك منذ آلاف السنين كحمورابي وأفلاطون وأنبياء الديانات السماوية والوضعية، وكذلك واضعو النظريات الاقتصادية العقائدية ككارل ماركس وآدم سميث، مروراً بكل أنواع المؤسسات الإنسانية.
وقد يبقى تمني جميع هؤلاء بالقضاء على الفقر لأجيال كثيرة قادمة. فالسؤال الذي يبقى مطروحاً هو، لماذا لا ينتهي الفقر في العالم؟ أو على الأقل لماذا لا يتقلص التفاوت بين الفقراء والأثرياء على مر الأزمان على رغم أن كل الحضارات، وخصوصاً منذ أواسط القرن الـ20 وصعوداً، تعمل بدأب وبجهد حثيث من أجل الحد من عمق الفقر واتساعه عبر خطط التنمية المستدامة التي يحدد تاريخ معين لتنفيذها كخطط التنمية المستدامة لعام 2025، أو خطط الحد من الفقر لعام 2030، وقد بدأت خطط مكتفحة الفقر لعام 2050 بالظهور، عد الأزمات التلاحقة والمفاجئة التي حلت بالاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة.
وكلما تمكنت الحكومات والمنظمات من تخفيف حدة الفقر أو آثاره أو من تحقيق نمو اقتصادي في الدول الفقيرة والنامية، فإن الاستمتاع بالإنجازات والجهود والأموال الضخمة المبذولة لا يطول بسبب جائحة طبيعية أو حرب جديدة أو تأثير ارتفاع الحرارة على الفقراء الذين يضطرون إلى الهجرة أو إلى النزاع أو إلى الالتحاق بالميليشيات، أو يدوم الفقر بسبب صفقات أسهم البورصة والمصارف لصالح المصرفيين ورجال الأعمال وجماعة الأثرياء ومديري الشركات على حساب ملايين العائلات التي تخسر أعمالها ومساكنها بسبب التوقف عن سداد القروض. فتعود الجهود العالمية للقضاء على الفقر إلى نقطة الصفر أو ما قبله.
على سبيل المثال، من أرقام البنك الدولي الجديدة أن جائحة “كوفيد-19” دفعت 163 مليون إنسان إلى براثن الفقر في عام 2021، ويتوقع البنك أن يزيد عدد من يعيشون تحت خط الفقر في البلدان ذات المداخيل المنخفضة بمعدل 2.3 نقطة مئوية سنوياً. والأكثر فقراً في العالم يعيشون في جنوب آسيا، وفي أفريقيا جنوب الصحراء. وتضاعفت معدلات الفقر المدقع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأعوام الماضية. أما الرخاء فسينخفض بشكل حاد في جميع الاقتصادات تقريباً، وهذا ما تعتبره الأمم المتحدة أشد انكفاءً لجهود الحد من الفقر العالمي في العقود الثلاثة الماضية.
تعريف الفقر المتغير
يعد تعريف الفقر في موسوعة بريطانيكا مشكلة غير منتهية بسبب الدلالات غير الاقتصادية التي أدخلت عليه كسوء الصحة وانخفاض مستويات التعليم أو المهارات وعدم القدرة أو عدم الرغبة بالعمل، وارتفاع معدلات السلوك غير المنضبط. وبسبب اختلاف التعريف من زمن إلى آخر ومن بلد إلى بلد ومن طبقة إلى أخرى في المجتمع نفسه. ففي ظل أنماط الإنتاج ما قبل الصناعي، تم اعتبار الفقر أمراً لا مفر منه، وجزء من ظروف الأقدار وطبيعة الصراع والتنافس. وتم قبول هذ التعريف لأن الناتج الإجمالي للسلع والخدمات لم يكن ليكفي الجميع ولو تم توزيعه بشكل متساوٍ، لكن في الزمن الصناعي تبدل تعريف الفقر ليشير إلى عدم قدرة الفرد أو الأسرة على الحصول على أساسات يحصل عليها غالبية أعضاء المجتمع، كالدخل الثابت ووسائل الاتصال والإنترنت والطاقة والبيئة النظيفة والتعليم الجيد، لكن في السنوات الثلاث الماضية عاد تعريف الفقر إلى ما كان عليه قبل عقود طويلة ليشمل الجوع وسوء التغذية والأمية والبطالة والهجرة وفقدان الخدمات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، مع انعدام فرص الترقي والصعود الاجتماعي.
وفي أحدث تقاريره حول الجوع أعلن برنامج الغذاء العالمي أنه في عام 2022 سيضاف 828 مليون جائع على جوعى العالم الذي يشهد نزاعات عسكرية دولية وأهلية داخلية متصلة بذيول جائحة “كوفيد-19″، ومعطوفة على أزمة المناخ المتفاقمة بسبب العودة للوقود الأحفوري. وهناك نحو 50 مليون شخص في 45 دولة على حافة المجاعة. ويردف تقرير البرنامج بما يشبه التأسف، “إذا لم يتم توفير الدعم اللازم سيتكبد العالم أعداداً كبيرة في الأرواح وفقدان مكاسب التنمية التي تحققت بشق الأنفس”.
لنأخذ من بين أسباب الفقر أزمة الجوع الهائلة. وفي حال طرحنا السؤال البدهي الذي قد يطرحه أي شخص في العالم، أي ما الذي يؤدي إلى ارتفاع عدد الجوعى؟ فإن إجابات المؤسسات الأممية المتخصصة تعدد أسباب رئيسة على رأسها النزاعات العنيفة، حيث يعيش 60 في المئة من جياع العالم في مناطق الحرب والعنف، والتبدلات المناخية المفاجئة التي تدمر المحاصيل وسبل عيش الملايين، وارتفاع الأسعار الذي بلغ أعلى مستويات على الإطلاق.
حلقة نار بؤر الجوع
من الممر الجاف بأميركا الوسطى وهايتي، مروراً بمنطقة الساحل وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان، ثم شرقاً إلى القرن الأفريقي وسوريا واليمن، وصولاً إلى أفغانستان، هناك حلقة من الفقر والجوع تمتد حول العالم. وفي نيجيريا وجنوب السودان واليمن تقوم المنظمات الإنسانية بتخفيض حجم وكمية الحصص الغذائية، “كأننا نأخذ الطعام من الجوعى لإطعام من هم أشد جوعاً”، بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة. وفي مثال على ذلك عندما نفد التمويل العالمي لإطعام اللاجئين السوريين في عام 2015، فلم يكن أمامهم سوى مغادرة المخيمات طلباً للوصول إلى أوروبا في موجات هجرة جحيمية عبر البر والبحر، مما تسبب في واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في التاريخ الأوروبي الحديث.
و”العالم ليس على المسار الصحيح للقضاء على الجوع بحلول عام 2030 كما كان مقرراً”، بحسب منظمة الأغذية العالمية، وسيظل نحو 660 مليون شخص في بؤس الجوع في عام 2030، بعد أن كانت الخطة هي إنجاح الأهداف الإنمائية للألفية التي تتضمن إنهاء الفقر وتجفيف الجوع وتأمين الصحة الجيدة والرفاهية، وتعليم جيد وتحقيق المساواة بين الجنسين وتأمين المياه النظيفة والصرف الصحي والطاقة النظيفة بأسعار معقولة، والعمل اللائق والنمو الاقتصادي، وتقليل عدم المساواة، لكن هدف القضاء على الفقر المدقع بحلول 2030 بات بعيد المنال بحسب التوقعات من مختلف الجهات، هذا على رغم أنه حتى سبتمبر (أيلول) 2021، بلغت الاستجابة المالية العالمية مع الوكالات الأممية العاملة في سبيل الأمن الغذائي أكثر من 17 تريليون دولار أو 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، لكن المشكلة ظهرت في الاقتصادات منخفضة الدخل التي لم تعوض ربع خسائرها لعدم حصولها على التمويل اللازم وضعف إداراتها ومؤسساتها والفساد المستشري، وارتفاع حجم الاقتصاد غير الرسمي الموازي.
اندبندنت