عدت من الشمالية وتحديدا من مدينتي الصغيرة الجميلة عبري بعد أن شاركتهم في موسم حصاد البلح والذي يعتبر بمثابة عيد لكل أبناء الشمال منذ سنوات موغلة في القدم حيث تعتبر أشجار النخيل هي العمود الفقري لحياتهم المعيشية .
وفي هذا الموسم تجد العائلة بكاملها داخل بساتين النخيل ويقومون بعملهم في جمع المحصول بهمة عالية . الرجال والنساء والأطفال في منظر رائع قل أن ترى مثله في اي مكان آخر .
ما لفت نظري هذا الكم الهائل والطوفان البشري من أبناء أقاليم أخرى يشاركونهم في عمليات الحصاد وتحديدا من أبناء دارفور وجبال النوبه ولا اعدو الحقيقة في شيء أن قلت أن عددهم يفوق عدد السكان الأصليين للمنطقة .
وهؤلاء لم يأتوا خصيصا لهذا الموسم من مناطقهم بل يعيشون هناك منذ سنوات ويزداد عددهم سنويا أما بالتوافد إلى هناك أو بالتوالد وقد يأتي وقت قريب ستكون الغلبة العددية لهم هناك .
ما أثار فضولي أن هؤلاء لا يعيشون في معسكرات لجوء كما يحدث لهم في دارفور مثلا ولا يتم معاملتهم كمعاملة نازحين كما يتم في معسكرات دارفور . بل يعيشون وسط اهل الشمال في أريحية نادرة الحدوث في اي أقليم من أقاليم السودان بل كثيرون منهم يمتلكون منازل خاصة بهم وبعضهم يقومون بإستأجار منازل وسط الأحياء دون أي مشاكل قبلية أو أثنية كالتي يلاقونها في مواطنهم الاصلية .
أطفالهم يتعلمون في مدارسنا بل يشكلون الغالبية في بعض المدارس ومرضاهم يتلقون العلاج في المستشفيات بصورة طبيعية جدا ولديهم محلاتهم الخاصة في الأسواق ويتعاملون في التجارة في البيع والشراء ويتواصلون مع السكان الأصليين في كل المناسبات الاجتماعية .
بعد كل الذي رأيته وعايشته بنفسي يأتوك أصحاب( الحلاقيم) الكبيرة ويصرخون في لايفاتهم ولقاءاتهم عن سيطرة النخب النيلية ويأتوك انصاف السياسيين أمثال اردول وصندل ومن شابههم ويتحدثون عن اللون وسواد البشرة وخلافه من الترهات التي لا تجدها إلا في ألسنتهم المريضة .
وبكل جرأة أسأل هؤلاء .. هل كان في آمكانكم قبول انسان الشمال بكل هذا الترحاب ونفس الاريحية التي يجدها أبناء دارفور وجبال النوبه في أرض الشمال . هل كانوا سيسمحون لهم بمشاركتهم في الحياة اليومية بكل تفاصيلها في مناطقكم؟؟ .
اعترف لكم بأنه بالفعل توجد سيطرة لأبناء الشمال النيلي عليكم ولكن ليست السيطرة التي تقصدونها أنتم . أنها سيطرة بكريم الخصال والكرم والاستضافة بل من ولا اذى أنتم تستيضفون النازحين في معسكرات اللجوء في مناطقكم ونحن استضفناهم في منازلنا ووسط بيوتنا وتقاسمنا معهم لقمة العيش الشحيحة وشاركونا في مواسم الحصاد لدينا وهم أكثر سعادة منا نحن .
هذه هي قصة سيطرة أبناء الشمال النيلي وسنظل على هذا الحال إلا أن يرث الله الأرض وما عليها .
وكان الله في عوننا
رمزي المصري
صحيفة التحرير