شاكر رابح يكتب: الدين والدولة (2)

الدين والدولة (2)

مفكِّرو ومنظِّرو الأحزاب السياسية (اليسارية) في السودان فشلوا في تقديم معالجات ومقاربات عملية عميقة فيما يتعلق بوضعية ومكانة الدين في ظل الدولة العلمانية التي ينشدونها، البعض منهم قدم اجتهادات كثيرة تتحدّث عن دولة علمانية “جزئية” دون وجود تصور منهجي وتفصيلي لماهية الجزئية أو تبيين العلاقة بين السلطتين الدينية والسياسية، بهذا اعتقد أنّ موقف العلمانيين من الدين ملتبس وغير واضح المعالم والأطر.

هناك علماء مسلمون كثر معاصرون أقروا بعدم وجود سلطة دينية في الإسلام، إذاً موضوع المرجعية الدينية هي مركز الخلاف بينهما، لأنّ الإشكال في عصرنا هذا بين الطرفين يتمثل في صياغة الدستور والقوانين وسن التشريعات ذات المرجعية الدينية، مثل قوانين (الأحوال الشخصية للمسلمين وغيرهم، خاصّةً قضايا الزواج والتعدد والطلاق والميراث وحرية التعبد والاعتناق ..الخ)، وواحد من أهم تعريفات العلمانية “فصل الدين عن السياسة” ويُعاب على هذا الشعار أنه لا يرى في الدين (إسلامي، مسيحي ويهودي) إلا كل ما هو سلبي وهذه مبالغة ومغالاة، ليس من المنطق والإنصاف أن نحمل الدين كل إخفاقات الحكام السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، الفشل في إدارة الدولة وعدم تطورها يعود في الأساس إلى ضعف المقدرات وعدم الاستقرار والفساد والاختلاف السياسي وعدم الامتثال للديمقراطية للوصول للحكم والتشظي المجتمعي، لأن إدارة الحكم اجتهاد بشري وليس وحياً يوحى، والإيعاز بأن الفشل بسبب خلل في الدين هذه فرية وكذبة.

اعتقد بالنظر إلى الأبعاد الدينية للفكر الإسلامي وبتركيزنا على مفهومي الأمة والمواطنة في دولة المدنية نجد أن مفاهيم “الأمة الإسلامية” و”الأمة الدينية” و”الأمة العربية” و”الأمة المدنية”، كلها تهدف في الأساس إلى التعايش بين الأديان وحفظ الحقوق المدنية، ودستور المدينة أقر بحقوق المسلمين وغير المسلمين واليهود وغيرهم من اتباع الملل الأخرى في العيش الكريم وحرية التجارة والتعبد.

في تقديري الشخصي، مازال بإمكان الدين وهنا نعني بالضرورة كل الديانات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسله رضوان الله عليهم أن يلعب دوراً مهماً في حياة الفرد والمجتمع ولا يتعارض ذلك مع مصطلحات الحداثة والديمقراطية والحرية، وبإمكان الدين خاصة الإسلام أن يستوعب كافة المتغيرات مثل العدالة والمساواة والحرية، ومن خلال الاطلاع على نقاشات المفكرين خلصت إلى أن العلمانية متأسسة على أفكار ومبادئ إسلامية وليست على النقيض منها كما هو الحال في مصر، وقد وصفت جماعة الإخوان المسلمين بأنها “جماعه سياسية علمانية”، فلذلك من الأهمية بمكان أن تؤسس جميع القوى السياسية السودانية، رؤاها ومواثيقها على دستور دولة المدنية وهو حل وسط معتدل ومقبول يرضي الطرفين علمانيين وإسلاميين، ولا شك أنه يمكن أن يؤسس إلى رؤية توافقية تستند على المشتركات الفكرية بين الطرفين، أما محاولة البعض إقصاء الدين الإسلامي من الحكم والسياسة على أساس الاختلاف والكيد والخصومة السياسية التاريخية، هذا لا يؤدي إلا لعنف وعنف مضاد بين الأحزاب العقائدية العلمانية من جهة، والإسلامية من جهة أخرى.

للحديث بقية،،،

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version