اعتدنا نحن أطفال وشباب سكان وسط السودان (ولاية الجزيرة على وجه الخصوص) اعتدنا على المجئ للخرطوم أثناء فترات الاجازة السنوية للعمل وجمع مصاريف العام الدراسي القادم ، اذكر في العام ٢٠٠٥ وانا اعيش بدايات مرحلة المراهقة تمردت على الدراسة (طلعت من المدرسة) وبدأت التفكير بشكل عملي في التوجه للخرطوم بنية دخول السوق وجمع الأموال ، وفي ليلة شتوية باردة توجهت إلى عنقريب أمي وبعد أن اتمردغت في حجرها طلبت منها هامسا بعض القروش بغرض المواصلات إلى الخرطوم ، وبالفعل منحتني كل ماجمعته من عملها في تطريز العمم طيلة شهور ، وقالت وهي تودعني دامعة (امشي يامعمر عديلة عليك وانا عافية منك ورضيانة عليك بس ماتنسى تعبي فيك).
طلعت من البيت الساعة تمانية بالليل ومشيت لحدي رزقالة الترعة القدامية وقفت هناك منتظرا لوري الزبالة المتجه إلى محلية الكاملين (كمائن التي) ركبت اللوري لمدة ٤ ساعات وصلت جياد عند فجر ذلك اليوم ومنها اتجهت إلى الخرطوم منطقة الجريف غرب محطة الشيطة للعمل في مخبز (فرن).
اشتغلت في الفرن لفترة شهر وزيادة وفي يوم من الايام اتشاكلت مع صاحب المخبز بسبب استبداده وتدخله مستبد الدائم في عملنا حيث قام بضربي بعنف شديد أمام الناس وطردني من الشغل ، وانا مرمى على الأرض أمام الفرن مدمي الظهر ودامع العينين جاء شخص ثلاثيني يعمل كبنكجي في الفرن المقابل لينا قام باخذي معه عزمني فطور ووظفني معه هناك وبالفعل اشتغلت في الفرن الجديد ، مع الزمن تعمقت علاقتي بالثلاثيني الذي قام بحمايتي وايوائي وبدأت في التعرف على عالمه وجدته طالب دراسات عليا بجامعة الخرطوم ماركسي التوجه وقارئ جيد لادوارد سعيد ويعمل كصحفي تعمقت العلاقة بيننا بعد فترة اخذ يناقشني حول ضرورة العودة للقرية واستكمال الدراسة وبدا يعرفني بالعالم الذي ينتظرني في حال دخولي الجامعة عالم الأفكار والسياسة والجكس.
بالفعل اقتنعت وذات ظهيرة ذهبنا انا ويوسف إلى السوق وساهم معي في شراء الملابس والكراسات والاقلام واداني مصاريف.
رجعت الحلة واستكملت الدراسة الثانوية وتفوقت في امتحاناتها ودخلت جامعة الخرطوم كلية الآداب واخترت دراسة الفلسفة متأثرا بعلاقتي مع اهتمامات يوسف لاحقاً تتابعت الأحداث وحدث ماحدث.
بعدها التقيت يوسف في عدة أماكن ومواضع عندما كان مديرا لتحرير مجلة الحداثة أو وزير ثقافة ولائي إبان الفترة الانتقالية.
معمر موسى