صار الحديث عن جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يتعلق بقناعات الناس أكثر من كونه يتعلق بالصواب أو الخطأ، فمن يعتقد بجواز المولد النبوي الشريف، فليتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب هذا المولد.
صحيح أن المحبة هي أعظم قربى وأعظم عبادة إلا أنها من العبادات القلبية التي لا يعلمها إلا الله أما العبادات التي تؤثر على الإقناع، وتدعم الحجج، وتقوي المعتقد هي العبادات السلوكية التي تظهر على سلوك المحب.
ومن كان يعترض على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فليتبع منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفضه لاحتفالات المولد، فالرسالة التي أرسلها لنا رسولنا الكريم قوله: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)
فمن التزم بهذا الهدي النبوي، وابتعد عن هذه الفواحش الأربع سواء كان محتفلا أو غير محتفل بالمولد النبوي الشريف، فسوف يكون داعما للهدي النبوي.
فلا يعرف في ديننا الإسلامي قط أنه تم اكتساب حسنة بسيئة.
فالحقيقة التي لا يختلف حولها مسلمان أن الحسنة تجر مثلها وكذلك السيئة.
لا يقال أن هذه سيئة صغيرة جلبت حسنة كبيرة كما لا يقال أن هذه حسنة صغيرة جلبت سيئة كبيرة.
فالصادق يكون صادقا في كل أحواله، فما أن يكذب إلا يتوب ويستغفر.
والكاذب يكون كاذبا في كل أحواله لن يأتي يوم وسيجلب له كذبه هذا حسنة ولو مثقال ذرة.
فمن يحتفل بالمولد النبوي الشريف، ولم يجد مع احتفاله قوة إيمان، ووجد أن طاقة تمسكه بتعاليم دينه أقل من طاقة عصيانه بها من خلال تعصبه لمن ينتسب إليه ومن خلال هجومه واستهزائه لمن يعارضه، فهذا قد أساء للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وإن ظن أنه محب للرسول الكريم ومتعلق بهديه.
ومن يعترض على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ويستهزئ ويطعن بمن يحتفل به، فهو قد جانب هدي النبي صلوات الله وسلامه عليه، وإن ظن أنه مدافع ومنافح عنه.
إذا اختلف اثنان حول مشروعية عمل صحيح، فلينظر كل واحد منهما إلى حجته، فإن كان فيها استهزاء وتقليل للشخص المخالف، فهذه الحجة على أقل تقدير لن تخدم الدين في شيء.
المسلم يدعم دفاعه عن الهدي النبوي بعدة أمور منها:
* أن يهاجم الاعتقاد الخاطئ لا يهاجم الأشخاص.
* أن يرفض أي سلوك ينافي تعاليم الإسلام صدر ممن ينتسب إليه.
* أن يرفض كل من يدخل في دائرة البدع، فلا ينخفض صوته عند بدعة ويرتفع صوته عند الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
فهو إن لم يستطع أن يرفع صوته إزاء البدع الأخرى، فليحجم فقط عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فلن يجبره أحد على الاحتفال به كما لن يحاسبه الله بعدم الاحتفال به، فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا يدخل في دائرة الواجبات حتى عند أكثر المتعلقين به.
* صحيح قد لا تدرك قيمة العلماء إلا أن التواضع شيمتهم، والتنزه عن أكل أموال الناس بالباطل سلوكهم، وعدم الركض خلف بلاط الملوك والرؤساء منهجهم.
* وصحيح أنه لا تقاس محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من يحتفل بالمولد النبوي الشريف إلا أن عدم الانشغال بالناس صفاتهم، وعدم الرد على الجاهل بأفشح الألفاظ شيمتهم، وعدم الانشغال بملذات المولد من تبجيل وتقدير لهم سلوكهم.
انتشر ديننا الإسلامي بالعبادات السلوكية، ولم ينتشر بالعبادات القلبية، فمن أراد لهذا الدين أن ينشر، ومن أراد لمنهجه السليم أن يطبق، فليربط بين العبادات السلوكية والعبادات القلبية.
فمن يريد للمولد النبوي الشريف أن يبجل، فليبربطه بسلوكه.
ومن يرفض المولد النبوي الشريف، فليبرطه بسلوكه.
صحيفة الانتباهة