أحمد يوسف التاي يكتب: “المخروشين”
(1)
ثورة ديسمبر السودانية هي بلا شك ثورة عظيمة ومهمة في تأريخ البلاد، لم تكن ثورة جياع ،ولا ثورة طائشين ، ولا “مخروشين ” كما يقلل من شأنها خصومها الذين قطعت الحبل السري الواصل بينهم والمال الحرام والسحت ، وقطعت عنهم جداول الأموال العامة التي كانت تصلهم من كل اتجاه … هي ثورة وعي اكتملت ظروفها الموضوعية وأسبابها القوية ونضجت واستوت وعندمات اصبحت يانعة قطفها بتعجل وتسرع من لم من لايجيد قطف الثمار اليانعة، ولايُحسن الفعل والقول… قطفها ثم تركها نهباً للقرود والقوارض والآفات والطفيليات، حتى كاد يعافها أصحابها الحقيقيون الذي دفعوا ثمن النضال في مواجهة نظام الإنقاذ الباطش الجبّار سجوناً ومعتقلات وتنكيلا وتقتيلا وبطشاً وتشريداً وتضييقاً في سبل العيش الكريم..
(2)
نعم كاد أصحاب النضال الحقيقي يعافونها ويزهدون فيها لما رأوا من هم دون مستوى الثورة العظيمة يتحدثون باسمها ويمتطون صهوتها ويمسكون بخطامها دون حياء كأنهم هم من أبلوا بلاءً حسنا في ساحات الوغى التي اشتعلت مع النظام على مدى ثلاثين عاماً بينما هم كانوا بالملاجيء والخدور والكهوف ينظرون من طرف خفي وترهقهم ذلة.. لكننا لن نعافها فهي ثورة كل الشرفاء الأحرار الذين كرهوا الفساد والدجل والشعوذة والنفاق، وهؤلاء قادرون على إنتزاعها من الخاطفين الذين قذموها وأساءوا إليها بالفعل والقول.
(3)
لكن ومع كل ذلك ستظل ثورة ديسمبر عظيمة ومجيدة رغم أنف المستسخرين والساخرين الذين يملأون اليوم الأسافير ضجيجا وسخرية من الثورة …ستظل عظيمة لأنها ستضع البلاد على أعتاب الديمقراطية الرابعة والتي سوف تكون تجربة مختلفة بإذن الله لأنها ستفرز أحزابا حقيقية وسيذهب الزبد جفاءًوماينفع البلاد والعباد سيثبت في الأرض بأقدام راسخة وذلك لأن الأوضاع اختلفت عن السابق ، فأحزاباللافتات والاستهبال كلها ستختفي أوتندمج مع الأخرى ، ستختفي كل الأحزاب التي تجرها الخيول ستختفي كل الأحزاب التي تعاني من الإعياء والضعف والهوان والهشاشة وتلك التي استوطنت بداخلها الأمراض المستعصية التي أودت بالتجارب الديمقراطية السابقة…المعطيات الراهنة هي التي تقول بذلك..
(4)
الإنتهازيون الذين كانوا يتقدمون الصفوف ويقودون الخطام يساومون ويراءون ويداهنون ، وذرية ابن أبي سلول في كل تنظيم التي ترفع راية النفاق والشقاق وسوء الأخلاق…. كل هؤلاء ستخفي اصواتهم بفضل الوعي الجماهيري الذي سيحاصرهم ويسلط عليهم الأضواء وهو وعي مكتسب بكثرة التجارب والكوارث…وسيبرزأصحاب الكفاءات والخبرة وأهل الاستقامة أو هكذا تقول المعطيات .
(5)
نحنُ السودانيون الآن نرفع شعار الدولة المدنية ونقاتل من أجلها ونستبسل من أجل التحول الديمقراطي، نفعل كل ذلك ولكن للأسف لم نتجاوز دائرة الهتاف والشعارات، فحالنا حال من يرجو النجاة ولم يسلك مسالكها ، فهل تمشي السفينةُ على اليبِسِ؟.. إذ أن هناك استحقاق كبير كي نبلغ هذا الهدف.. الدولة المدنية الديمقراطية تحتاج إلى أرضية صلبة وأساس متين كي تقوم عليه، الدولة المدنية لا تُؤسس على الحناجر الغليظة والهتاف والهرجلة… هذه الأرضية الصلبة والأساس المتين هما إصلاح الحركة السياسية أولاً ، وتنظيفها وتنقيتها من الشوائب وتقويتها بإبعاد العناصر الانتهازية التي تشكل نقاط ضعف أساسية ومداخل للإختراق وتقويض البناء الديمقراطي داخل هذه الأحزاب نفسها…اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة