كَثُرَ الحديث، وسودّت الصحائف، وامتلأت الأسافير بقرار قيل إنه صدر بتحديد قيمة تعرفة المواصلات بولاية الخرطوم بالكيلو.
وبغض النظر عن صدور مثل هذا القرار أو عدم صدوره، وبغض النظر عن الكيلو أو الرطل، إنني أتساءل ببراءة شديدة ما هي الجهة التي تستطيع تنفيذ القرار إذا صدر فعلاً، ولم يكن من بنات أفكار أحدهم، وهل هنالك حكومة لها القدرة على تنفيذ أي قرار تصدره..؟!
شخصياً أرى أنّ القرار صائبٌ وفيه عدالة، لأنّ مساواة الركاب في أي تعرفة مُواصلات ليس من العدل، ونظام تعرفة المواصلات بالكيلو متبعٌ في معظم الدول المُحترمة التي تحترم إنسانها، إذ لا يُعقل أن يدفع ساكن الشجرة نفس القيمة التي يدفعها ساكن الكلاكلة.
وبعيداً عن كل هذا اللغط الدائر حول تعرفة المواصلات بعاصمتنا الخرطوم، فإنّ عدم وجود حكومة فاعلة ومقتدرة يحول دون فرض أي تعرفة للمواصلات، مما أتاح الفرصة لأصحاب المواصلات بأن يضعوا ما يحلو لهم من تعرفة ويمكن تغييرها في اليوم ألف مرة، بما أنهم يشعرون ويعرفون أنهم بعيدون عن رقابة الحكومة، يستغلون الزيادات الطفيفة في الوقود ويضاعفون التعرفة، وإذا انخفض الوقود يستمرون في الزيادات.
صحيحٌ أن كل الوزراء الآن هم مُكلّفون، ولكن هذا لا يعني أن يتنعموا بالتكليف وامتيازاته على حساب مصالح الشعب، ويظنون بأنهم مكلفون وغير مسؤولين.
لهذا أنا استغرب حقيقة حينما يتحدّث البعض بعدم وجود حكومة حين يُبرِّرون للفشل السائد الآن في كل مناحي الحياة.
الوزراء المُكلّفون يُباشرون أعمالهم، والمديرون العامون يواصلون عملهم، والمديرون التنفيذيون بالمحليات يعملون، فكيف نقول بعدم وجود حكومة..؟
هنالك حكومة قائمة عدا رئيس مجلس الوزراء وما يقوم بعمله هو مجلس السيادة الانتقالي.
الصحيح أن نقول إنّ الحكومة المكلفة هي حكومة فاشلة تماماً، عدا بعض الإشراقات هنا وهناك من بعض الوزراء الذين استشعروا المسؤولية الوطنية واجتهدوا، أما بقية الوزراء فهم فشلوا تماماً في تقديم أي شيء يُذكر.
ولهذا، فإنني أيضاً لا أظن أنّ مُشكلة السودان الحالية بسبب غياب الحكومة أو رئيس الوزراء، لأن المشكلة الأساسية نجدها في عدم التوافق وشخصنة القضايا وإحساس أي طرف من الأطراف بأنّه على حق.
الفرصة ما زالت مُواتية للتوافق والاتفاق لإنقاذ البلاد من المُستنقع الخطير الذي وقعت فيه، نتيجة تقديرات خاطئة من كل المسؤولين..!
صحيفة الصيحة