زيادة عرض النقود .. مزيد من الانكماش الاقتصادي
أوضحت نشرة لبنك السودان المركزي، ارتفاع عرض النقود، في النصف الأول من العام الجاري، بمعدل “7.9%”، فيما وصف اقتصاديون وخبراء، الارتفاع بأنه مؤشرٌ على تزايد الخلل الاقتصادي، بما يستدعي إصلاح السياسات المالية والنقدية بأسرع وقت لتدارك الخلل.
ارتفاع العرض
وكان عرض النقود قد ارتفع بما في ذلك شبه النقود من 3.820,4 مليار جنيه بنهاية الربع الأول من العام2022 الحالي إلى 4.086,0 مليار جنيه بنهاية الربع الثاني منه بمُعدّل 7.9%، كما ارتفعت شبه النقود من 1.811,9 مليار جنيه إلى 1.948,5 مليار جنيه بنهاية الربع الثاني من عام 2022 بمُعدّل 7.5.%، وأظهر العرض الاقتصادي والمالي للفترة من يناير – يونيو الصادر من الإدارة العامة للسياسات والبحوث والإحصاء ببنك السودان المركزي، ارتفاع جملة الودائع المصرفية إلى 2.506.5 مليار جنيه بنهاية الربع الثاني من العام 2022 وارتفاع رصيد تمويل المصارف بالعُملة المحلية.
ركودٌ اقتصاديٌّ
وقال المحلل والباحث الاقتصادي د. الفاتح عثمان إنّ وزارة المالية وبنك السودان المركزي تبنيا سياسات نقدية انكماشية لخفض التضخُّم، وإضافة الى أن ذلك يتمثل في تقليل عرض النقود، وأوضح أن الربع الثاني لهذا العام شهد نمواً محدوداً في عرض النقود، معتبراً أنه الأقل من نحو ثلاث سنوات، إذ لم يتجاوز 7.9%، مشيراً إلى أنّ هذه السياسات النقدية الانكماشية والتي شملت زيادة الجمارك والضرائب ورفع الدعم عن الوقود والخبز، أدّت إلى إدخال البلاد في حالة ركود اقتصادي قاس جداً، مؤكداً أن ذلك تسبّب في إغلاق أكثر من نصف المصانع تقريباً، وقال إن ذلك نتجت عنه هجرة غير مسبوقة للسودانيين إلى مصر وتركيا وماليزيا، وقطع بأنّ أي إصلاحات اقتصادية تتطلّب في الموازنة الجديدة زيادة عرض النقود وزيادة الاستثمارات في مجالي الصادر والاكتفاء الذاتي من الغذاء والسلع الأساسية والطاقة خاصةً الطاقات المتجددة.
انهيار الاقتصاد
ويقول المحلل الاقتصادي د. عبد الله الرمادي إن السودان يعاني من أزمات اقتصادية جراء الالتزام وتطبيق روشتة صندوق النقد الدولي المُعيبة والتي تضر الاقتصاد، وأضاف أسوأ ما في الأمر ليس تطبيقها دفعة واحدة، موضحاً أن رفع الدعم عن السلع الضرورية كمشتقات النفط التي تدخل كل مناحي الحياة خلّفت مُعاناة للمواطنين، مبيناً أنّ أي سلعة تصل الميناء سواء كانت صناعية أو زراعية تحتاج للترحيل إلى مراكز الإنتاج، مؤكداً أن ذلك يرتفع من تكلفة المنتج، وكذلك بعد أن يخرج المنتج وينقل من مكان إلى آخر، لافتاً إلى أن وسائل النقل تستخدم مشتقات النفط، والمصانع والكهرباء، والآليات في المزارع، وقال إن كل ذلك يستخدم المواد البترولية، قاطعاً أنه قرارٌ خاطئٌّ مئة بالمئة وكأنما خصص لانهيار الاقتصاد.
فاقد القيمة
ووصف الرمادي، بأن التضخم يعني تآكل العملة الشرائية للعملة الوطنية، وأكد أن التضخم يحطم القوة الشرائية ويجعل العملة الشرائية للعملة تتآكل، مبيناً أن العملة أصبحت تتزايد وهذه نتيجة وليست سبب التضخم، وتابع: يفترض على الدولة أن تُعوِّض فاقد القيمة، وزاد تم الاتفاق بين الدول على أن تكون حجم الكتلة النقدية في الاقتصاد مربوطة بالناتج المحلي الإجمالي ١٠%.
مزيد من الطباعة
ويُبيِّن د. الرمادي أنه عندما تكون هناك معدلات تضخُّم مُرتفعة كالحال في السودان، تكون هناك حوالي الـ١٠% من حجم الكتلة النقدية من حيث القوة الشرائية، وقال إنّ هذا ما يُفكِّر فيه البنك المركزي فقط، وزاد ربما تكون ١٠%، لكن القوة الشرائية تقلّصت إلى ٣% وإلى ٢% أحياناً، وتساءل لماذا لا نرفعها من حيث القوة الشرائية، وتابع: ينبغي في ظروف التضخُّم الجامح أن نطبع المزيد من العُملة لنعوِّض فاقد القيمة للقوة الشرائية، وحتى تتساوى الكتلة النقدية مع 10% المُحدّدة من حيث قُوتها الشرائية، لافتاً إلى أنها خطوة ضرورية لتلافي القصور.
التهريب
وأوضح بأنّ هناك هدراً كبيراً يحدث في شكل التهريب، وقال إنّ التهريب آفة الاقتصاد الأولى، مطالباً بضرورة تغيير القوانين بحيث تكون رادعة، ويكون التجريد لكافة الممتلكات لمن تثبت عليه حقيقة جريمة التهريب ويزج في السجن مهما علت مرتبته الاجتماعية، وضرورة أن يُفرض عليه العمل الشاق، وأشار إلى أنّ ذلك إذا طبِّق على خمسة أو عشرة أشخاص سيختفي هذا التهريب، وأكّد أنّ كل سلعنا تُهرّب، الصمغ العربي يُهرّب حتى أصبحت البورصة للصمغ العربي في أفريقيا وأديس أبابا ومعظمه سوداني ويذهب إلى فرنسا يطحن ويباع لأكبر شركتين في العالم “البيبسي والكولا” وتعود حصائل الصادر إلى فرنسا وإثيوبيا والسودان لا يحصل عبر البنك المركزي من حصائل الصادر على شيء، وبيّن أنّ ذلك ينطبق على بقية السلع مثل القطن وغيرها، وأكد أن كل ذلك نفقدها جرّاء السياسات الخاطئة، وطالب بضرورة حسم هذا الأمر والبداية بتشجيع الاستثمار، كما طالب بضرورة إصلاح عام للحالة السياسية والأمنية، وقال إنّ المُستثمر لا يأتي من الخارج بأمواله وهناك صراعٌ سياسيٌّ واقتتالٌ، معتبراً أنّ ذلك تهديد للأمن حتى لوجوده وأعماله.
ويرى د. الرمادي ضرورة إقامة مجلس أعلى للاقتصاد يتبع إلى رئاسة الجمهورية أو مَن يقوم مقامها أو إلى رئاسة مجلس الوزراء كجهة استشارية مُهمة جداً، وبضرورة أن لا يتّخذ أي قرار في أيِّ مسألة تمس الاقتصاد قبل أن يعرض على هذه اللجنة ويختار لها الأكفاء من الاقتصاديين من ذوي المهنية العالية وهم كُثرٌ.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة