وضع رفع سعر الفائدة الأميركية الأسواق التونسية والسودانية تحت ضغوط اقتصادية متزايدة، وفي المقابل بات لبنان آخر المتأثرين لأنه وصل إلى القاع في مختلف المجالات.
يواصل الدينار التونسي معاناته من تأثير عوامل خارجية تؤثر في قدرته على الصمود رغم محاولات البنك المركزي التونسي اعتماد سياسة تثبيت سعر العملة منذ أكثر من 3 سنوات بينما تجرفه تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والقرارات المتتالية للبنك الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة. ويواجه الدينار مخاطر عالية ناتجة من تراجع قيمته أمام العملات الأجنبية ولا سيما الدولار الذي يواصل تفوقه أمام اليورو وسط أزمة معيشية متفاقمة وانفلات التضخم الناجم عن زيادة كلفة الواردات وارتفاع العجز التجاري إلى مستويات قياسية.
وقال الخبير المالي معز حديدان إن الدينار يواجه تحديات مقلقة خلال المدة القادمة من بينها تداعيات رفع الفيدرالي لسعر الفائدة للمرة الخامسة على التوالي ما يزيد في كلفة الدين الدولاري المستحق وارتفاع كلفة الواردات الأساسية.
وأضاف حديدان في تصريح لـ”العربي الجديد” أن البنك المركزي التونسي قد يضطر إلى استعمال جزء من رصيد العملة لن يقل عن 20 بالمائة قبل نهاية العام الحالي لتأمين الواردات الأساسية وسداد أقساط الديون التي يحل أجلها ما يزيد من الضغوط على الدينار الذي يواصل التراجع أمام اليورو والدولار بنسق متسارع.
غير أن حديدان قال إن تحويلات المغتربين الدولارية سترتفع أيضا مستفيدة من زيادة سعر صرف الدينار مقابل العملة الأميركية، ما من شأنه أن يساعد على امتصاص جزء من الضغوط التي تواجهها العملة المحلية.
وفي 5 سبتمبر/ أيلول الجاري بلغ سعر صرف الدولار مقابل الدينار المحلي مستوى قياسيا بوصوله إلى 3.261 دنانير.
وقال وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي محسن حسن في تصريح لـ”العربي الجديد” إن نسب الفائدة مرشحة للارتفاع مجدّداً حتى في حال التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، معتبرا أن تحكيم السلطات المالية ما بين استقرار الأسعار والركود الاقتصادي سيكون لصالح الصندوق.
وفي مايو/ أيار الماضي أصدر مجلس إدارة البنك المركزي التونسي، قرارا برفع نسبة الفائدة الرئيسية بـ 75 نقطة أساس لتبلغ 7 في المائة. وعبّر المركزي حينها عن “عميق انشغاله إزاء المخاطر التصاعدية التي تحيط بآفاق تطور التضخم”.
إنهاك الاقتصاد السوداني
وفي السودان توقع اقتصاديون تعرض الجنيه السوداني إلى ضغوط جديدة عقب رفع سعر الفائدة الأميركية خاصة في السوق الموازية لعدم وجود احتياطي نقدي في البلاد، رغم نشرة البنك المركزي التي تشير إلى التزام البنك برفد البنوك التجارية بالعملة الصعبة للمحافظة على الأسعار.
وقال الاقتصادي السوداني عبد الحميد الزين لـ”العربي الجديد” إن سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي تنهك الاقتصاد السوداني وتتسبب في أضرار وخسائر كبيرة، كما أنها ستزيد من أعباء الديون المقدرة بحوالي أكثر من 60 مليار دولار، كما تؤثر سلبا على الاستثمار داخل السودان”.
وأضاف أن تحركات الاحتياطي الفيدرالي سوف تدفع المستثمرين إلى تحويل الأموال للولايات المتحدة بسبب العائد المادي الأعلى وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار وانخفاض العملات الأخرى مثلما يحدث في السودان.
ويشهد الجنيه السوداني هبوطا تدريجيا رغم تحريره منذ العام الماضي واستمر في الانخفاض إلى أن وصل في السوق الموازية إلى 582 جنيها مقابل 575 جنيها في البنوك منذ بداية الأسبوع.
ويقول الاقتصادي بابكر إسحق، إن الإجراءات الأخيرة والمتواترة من قبل الفيدرالي الأميركي في سعيه للتصدي للتضخم ورفع سعر الفائدة بمقدار كبير سيؤثران سلبا على المواطن السوداني بزيادة تكلفة الاستيراد ورفع معدلات التضخم المحلى وتراجع وتيرة الإنتاج.
لبنان آخر المتأثرين
يترقب اللبنانيون خطوة البنك المركزي الأميركي ومدى ارتداداتها على السوق اللبناني الذي يعاني أصلاً فوضى في الأسعار وتفلّتا كبيرا يوسع هامشه جشع التجار الذين يزيدون من أرباحهم مستغلين الانهيار القائم.
وفي هذا السياق، يؤكد خبراء اقتصاديون أن لبنان لن يتأثر كثيراً بالخطوة الأميركية، فأصحاب الأموال الذين لم يتمكنوا من إخراج أموالهم عند بدء الأزمة الاقتصادية، وودائعهم الدولارية محتجزة في البنوك منذ عام 2019، ولا يمكن إخراجها حالياً، كما أن القروض الجديدة متوقفة، عدا عن انهيار قيمة العملة الوطنية، التي مهما زادت حالياً الفوائد عليها كردة فعل اقتصادية ستبقى غير مرغوبة، في وقتٍ يرتفع الطلب على الدولار لشرائه وجمعه.
كذلك، لن يؤدي رفع سعر الفائدة على الدولار إلى زيادة أعباء الديون الخارجية، باعتبار أن لبنان متخلف عن دفع سندات دينه بالعملات الأجنبية منذ مارس/آذار 2020. يقول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ”العربي الجديد” إن “ارتفاع معدل الفائدة الأميركية يؤثر على الاقتصاد العالمي، بيد أن لبنان آخر من يتأثر، لأنه لا ارتباط كبير له بأسواق المال الدولية، ومديونته كلها كانت أصلاً محلية، باعتها المصارف بالأسواق الدولية وهي بفائدة ثابتة”.
من جهة ثانية، يلفت حمود إلى أن التأثير يبدأ عندما تنطلق عملية إعادة بناء الهيكل المالي في لبنان، إذ إن الكلفة ستكون أكثر من ذي قبل حتماً، وبالتالي، إذا أردنا استقطاب ودائع جديدة عند إعادة إحياء القطاع المصرفي، ستكون كلفة الإقراض أعلى، وكذلك كلفة الإنتاج وإعادة البناء بلغة الدولار النقدي.
وتقول الخبيرة في الاقتصادات المدولرة ليال منصور لـ”العربي الجديد” إن “تأثير زيادة أسعار الفائدة الأميركية يختلف بين دولة وأخرى، وما إذا كانت من الدول المتقدمة أو الدول النامية والمعرَّضة للتفكّك، وما إذا كانت العملة ثابتة أو متحرّرة”.
وتشير منصور إلى أن الدول تلجأ عادة إلى زيادة الفائدة لمواجهة ومحاربة التضخّم، وهو ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي حتماً سيدفع بدول أخرى لتسير على المسار نفسه.
تبعاً لذلك، تلفت الباحثة الاقتصادية إلى أن لبنان يعد من الدول غير المتقدمة، ويعاني من انهيار حاد في قيمة عملته الوطنية، ولن يسير على المبدأ الاقتصادي المذكور إذ إن الليرة اللبنانية أساساً فقدت الطلب عليها، ولم تعد مرغوبة، ولا أحد يريد شرائها أو الاستثمار فيها على المدى الطويل، عدا عن أن التأثير لن يطاول القروض التي بدورها متوقفة من قبل المصارف.
العربي الجديد