نظمت الجمعية السودانية لحماية المستهلك، ورشة عمل بعنوان نحو مجتمع غير نقدي في إطار تعظيم دور الجمعية في دعم مستهلكي الخدمات المالية الرقمية في السودان، بالتزامن مع الاحتفال باليوم الوطني للمستهلك السوداني العام 2022م.
وأكد رئيس جمعية حماية المستهلك د. ياسر ميرغني، أنّ الجمعية درجت على الاحتفال باليوم الوطني للمستهلك بتاريخ 18 سبتمبر من كل عام، وأوضح أن الاحتفال هذا العام خصّص لمجتمع بدون نقود في ظل تنامي الحديث عن الفساد في المُعاملات المالية، مما دعا للوقوف عند هذا الأمر، وأكّد جاهزية قانون الدفع الإلكتروني وإيداعه وزارة العدل لإجازته.
ومن ناحيته، استعرض أمين عبد الرحيم أوشي في ورقته الموقف في الطريق نحو المجتمع غير النقدي، وقال إن الدول تتفاوت في تحقيق التحول للمجتمع غير النقدي، مبيناً أن المعيار العام لقياس مدى قرب أي دولة يتمثل في عدد المدفوعات غير النقدية في التعاملات المالية بين الأفراد أو المعاملات من شخص لآخر، مضيفاً أنّ الطريق نحو التحول لمجتمع غير نقدي مازال طويلاً على مستوى البلاد، ووصف العملة بأنها القيمة المالية التي يتم تداولها للحصول على السلع والخدمات، ولفت الى توجُّه دول كثيرة في العالم بأن تتم كافة التعامُلات الماليّة بصورة رقمية وهو نظامٌ له فوائد كثيرة للمعنيين وأصحاب المصلحة منهم الدولة ومقدمو الخدمات والمستهلكون، ووصف التحول نحو مجتمع غير نقدي بأنه في الأساس تغيير مجتمعي وغير ساهلٍ، وأشار إلى التطوُّر المُعاصر للنقد والذي بدأ بصورة سلعية وتحوّل إلى إلكترونية، منوهاً الى شروع عدد من البنوك المركزية في إدخال العملة النقدية الإلكترونية عبر فروعها المُختلفة بوصفها مخزون القيمة للعُملة النقدية، وأردف بأنّ طريقة المُعاملات المالية التي تتم عبر الموبايل والهاتف السّيّار لا تزال بسيطة جداً حتى الآن، فضلاً عن تداول النقد في نقاط البيع والمحفظة الإلكترونية والصرافات الآلية ووكلاء المصارف.
الفوائد
ولفت أمين إلى أن الفوائد للمجتمع غير النقدي تتمثل في سرعة السداد وتقليل التكلفة وتسريع التجارة للمُورِّدين والمُستوردين والأمان ضد السرقة وتخفيض التكلفة على المصارف، وتجنب التهرُّب الضريبي، وتقليل فرص المعاملات غير القانونية، وغسل الأموال، فضلاً عن تخفيض تكلفة إصدار النقد وتوفير إحصائيات وبيانات اقتصادية والحد من انتقال الأمراض.
مخاوف ومحاذير
وفي المقابل، هناك مخاطر ومخاوف من المجتمع غير النقدي ذكرها أمين بأنها تتمثل في مشاكل انقطاع الخدمة واختراق الخصوصية، حيث يتمكّن الأشخاص غير الأمينين من الاطلاع على المعاملات المالية للفرد، بجانب الرقابة الزائدة من الدولة، حيث تستطيع الدولة أن تفرض رقابة لصيقة جداً بالفرد وتتبع تعاملاته المالية، بالإضافة إلى مخاطر النُّظُم التقنية من نواحي الاختراق والاحتيال والهجمات الإلكترونية وصُعُوبة تعامل المُقيمين بالبلد في حالة عدم أهليتهم لفتح حسابات مصرفية وعدم صلاحية وسائل دفعهم الإلكترونية داخل البلد غير المُقيمين فيه، والإفراط في الإنفاق والمساواة الاقتصادية والشمول المالي، حيث يعدان من القضايا الأساسيّة التي لا تزال مَوجودة في جميع أنحاء العالم وقد يؤدي المجتمع غير النقدي في الواقع إلى تفاقُم هذه المُشكلات ومُواجهة الفقراء مِمّن ليست لديهم حسابات مصرفية تحديات كبيرة مع وسائل الدفع الرقمية وعدم التمكن بالتعامل بنقود غير محسوسة، حيث لا تزال هناك أجزاءٌ من المُجتمع تفتقر إلى الثقة في المدفوعات الرقميّة أو لديها حواجز أمام الوصول الى الهواتف المحمولة والإنترنت، ولم يَستثنِ شريحة كبار السن، حيث لا يُمكنهم التعامُل مع النظم التقنية أم للجهل باستخدام التكنولوجيا أو لصُعوبة تذكر كلمات المرور المُختلفة، وأيضاً صُعوبة تعامل الأطفال، حيث يحرمون من التعامُل مع المحلات التجارية، إضَافَةً لعدم إمكانية فتح حسابات مصرفية لهم قبل بلوغ سن الرشد.
تعاملات محلية
وكشف أمين عن أنّ نسبة مُستخدمي الموبايل في البلاد وصلت الى 48% والعاملون بشرائح الداتا لشركات الاتصالات المختلفة بنسبة 50% ووصلت نسبة المعاملات البنكية غير النقدية الى 11 مليون شخص، وتم فتح حسابات مصرفية والتعامل بصورة غير نقدية نسبة 25% من السكان وإدخالهم في القطاع المصرفي، وأعلن أنه وفقاً لإحصائيات شركة السودان للخدمات المالية، فإنّ هناك 5 بنوك تملك محوصلات خاصة بها وشهدت الصرافات الآلية معدل نمو واضح، وتشير كل الإحصاءات أن القطاعات التي حدث فيها نمو بدورها أثّر فيها التضخم بصورة كبيرة، وجزم بأن المقاصة قللت من من التعاملات النقدية، مما يعني أن هناك نموا واضحا في التحويلات غير النقدية، وبلغت نسبة المشتروات بنقاط البيع نسبة 58% والدفع عبر الموبايل العام 2019 وصل الى 23% وعدد المعاملات المالية في العام 2021 بلغت نسبة 41%. وقطع بأن عدد المعاملات التي تتم خارج الشبكة كبيرة والتي تتم داخل الشركات وصلت الى 97 معاملة بمبلغ 15 ألف تريليون جنيه إجمالي المبلغ، وعبر تطبيقات المصارف الخاصة بلغ حجم التعامُلات 2500 مليون مُعاملة في اليوم وحجم كل المعاملات الإلكترونية 427 مليون معاملة بمبلغ 166 ألف تريليون جنيه خلال النصف الأول من العام الجاري، وشدد على أن البلاد يلزمها الكثير للحاق بالدول في مجال التعامل الإلكتروني للمعاملات المالية.
تقنية عالمية
وأوضح أمين أنّ بلدان الشمال الأوروبي تقوم بمعاملات غير نقدية أكثر من معظم الدول الأوروبية الأخرى، حيث بلغ متوسط الدفع بالبطاقات للفرد الواحد في السنة 88.4 في البلدان الـ33 التي يغطيها الكتاب السنوي لبطاقات الدفع من 2015 الى 2016م وبالمقارنة فإن المتوسط الدنماركي يقدر بـ268.6 سنوياً والمتوسط الفنلندي 243.6، بما يعني أن البلدين يتجهان أسرع نحو تحقيق المجتمع غير النقدي.
فساد مقنن
ومن ناحيته، انتقد رئيس منظمة الشفافية الطيب مختار، قيام مفوضية مكافحة الفساد، وقال “أنشئت لتخدير الناس ولماذا لا تكون مفوضية مستقلة”، وجزم بالقول إنّ الفساد موجودٌ بالجهاز التنفيذي، واستنكر عدم وجود المجلس الأعلى للقضاء والنيابة، وتابع “يجب أن لا تخضع للمُحاصصات الحزبية، وأردف لا توجد إرادة سياسية لجهة أن المؤسسات العدلية لا تمارس الشفافية، وطرح سؤال عن دور الأجهزة الرقابية، وقال إنّ ٨٠% من توجيهات سياسات شركات الاتصالات ليست سودانيّة، مُضيفاً أن الجهات المالكة للأسهم لا تُحقِّق أهداف الدولة وإنما فقط تجني أموالاً طائلة.
وعاب دور الحكومة في عدم الرقابة على شركات الاتصالات، وأنها أخطأت في الرقابة عليها، وزاد “أين المعايير العالمية لقطاع الاتصالات”، وعلى مستوى المواطن الإنترنت غال وغير مبني على المعايير المعروفة ومتبقي الباقة يتم سحبها دون مبرر، مضيفاً أن حقوق المواطن موجودة لدى شركات الاتصالات، ونبه الى تصنيف السودان من قبل بأنه أسوأ دولة في عملية الإنترنت، وهاجم الحكومة في عدم اهتمامها بمنظمات المجتمع المدني، وقال إنها مجحفة في دورها مع تلك المنظمات.
وفي السياق نفسه، قال مدير شركة الخدمات المصرفية السابق عمر عمرابي، إن السودان من الدول الرائدة في مجال التحول الرقمي، وأضاف لكي تنصح المواطن باستخدام النقود الإلكترونية يجب أن تكون دون قرارات حكومية ولا بنك السودان ولا جن أحمر “حسب تعبيره”، داعياً الى التفكير في كيفية التعامل الإلكتروني أفضل من النقدي، وأضاف: هناك فرق بين النقود الإلكترونية والخدمات الإلكترونية، وبالتالي يجب عدم الضغط على المواطن في استخدام النقود، لجهة أن ذلك يحتاج إلى مراجعة التنظيم، وعدّد عمرابي، مشاكل الخدمات الإلكترونية، مبيناً أنّ هناك تراجعاً في أعداد الصرافات الآلية بالإضافة إلى عدد المُعاملات، لجهة أنّ الحد الأدنى للسحب فقط ٥ آلاف جنيه، مُشدِّداً على أهمية مُعالجة هذا الأمر، ونبّه أنّ هناك عدم فهم ومعرفة وحقيقة غائبة في مسألة النقود الإلكترونية، وأضاف لا بد أن يكون البنك المركزي على مُستوى من القيادة.
الخرطوم- رشا التوم
صحيفة الصيحة