الحٌمَر والمسيرية قبيلتان كبيرتان مهمتان، تعيشان في ولاية غرب كردفان منذ أمد بعيد. بل كانا من سكان كردفان الأم منذ مئات السنين وهما جاران يشتركان في كل شيء، في الرحم والتصاهر والتزاوج والجيرة والمعيشة، وكذلك المشاركة في الأمن والسياسة، بل في قيادة الولاية، وحتى الوظيفة العامة والقيادية في السودان، حتى الزراعة وتربية الحيوان، حيث يختلطان في حركة الترحال والزراعة، بل نوع الحيوان، فالحَمر يربون الضأن والإبل، وكذلك المسيرية تربيتهم الماشية والضأن، وهم يتحركون شمالاً خريفاً، وجنوباً في الصيف، وهم رعاة ومزارعون، ولهم جميعاً تاريخ قديم وناصع ومتداخل، ولديهم إدارات أهلية راسخة وصاحبة حكمة ورأي، ولديهم أثر كبير على السودان، ولديهم قيادات بارزة في النظام الأهلي، سجل لهم التاريخ أدواراً كبيرة وكثيرة، وجميعهم لهم تضحيات جِسام في تاريخ السودان القديم والحديث من قبل المهدية، مروراً بكل فترات الحكم في السودان المختلفة، وفي فترة الحكم الاستعماري، مروراً بالحكم الوطني، وهم جيران بينهم مودة وحب شديدين. ولذلك، أعتقد أن الصراع الذي يدور الآن وراءه أيادٍ خفية تسعى بالفتنة بين القبيلتين لإضعافهما وذهاب قوتهما، ويسهم بل لجعل المنطقة كلها في شقاق.
إنّ الصراعات في هامش السودان عموماً تتم لأسباب تافهة، وكثيراً ما تكون فتن//// وراء ذلك مستفيدين///. والمركز ليس بعيداً من ذلك وخاصة صراع القبائل وقضايا ملكية الأرض القبلية المعنوية وقضايا الحدود بين القبائل، وهي حدود في كثير من الأحايين نفسية ومعنوية أكثر من أنها عملية.
حيث إنّ السودان وطن للجميع، ولا يمنع أي مواطن من الاستنفاع من الأرض في أي موقع (سكن وزراعة ورعي وتجارة، وحتى التملك الشخصي). وأعتقد أنّ ملكية الأرض القبلية هي معنوية، لأنه لا منفعة مباشرة من الأرض، حتى العشور التي تعطى قديماً لأهل الأرض ما عادت موجودة (بوبيه جدي)، وصارت كل المنافع تذهب إلى الدولة، وبعد حين وفي تطور مضطرد في الحياة وسيطرة الدولة القومية على الأرض بالقانون، ستنتهي قضية ملكية الأرض القبلية.
وعليه، أعتقد أن العلاقة القوية بين المسيرية والحمر تجعلهما أكثر حرصاً على التعايش بينهم، بل هنالك مشتركات كثيرة تجعلهما أحرص على بعضهم البعض، وأقرب لأنفسهما، حتى المخاطر التي تحيط بهما تجعل عقلاء القبيلتين أكثر حرصاً على التعايش والتواصل فيما بينهما.
إنّ الحَمَر والمسيرية هما من أكبر القبائل بالسودان وأكثرها تعلماً ومعرفةً وممارسة للعرف، وبينهما إرث اجتماعي كبير، ليس من السهل تكسيره وتدميره لأي صراعات جانبية هامشية يؤجِّجها آخرون من قريب أو من بعيد. وسيظل الحَمَر والمسيرية أهلاً وعصبة ومودة، بل عضدا وسندا لبعضهما، وسيظل رباط الرحم والجيرة والتاريخ المشترك أمتن رباط وأقوى وشائج، ناهيك عن الدين، ولذلك يجب أن يدرك الجميع خطورة مثل هذه الصراعات القبلية وأثرها على مجتمع هذه القبائل، ولذلك أناشد الأهل الحَمر والمسيرية أن يجلسوا مع بعض، ويعالجوا مثل هذه الخلافات التي لا تخلو من تدخل أيدي آخرين فيها.
كذلك على قيادات بعض القبائل التي لها صلة بالقبيلتين، التدخل والتوسط بين الطرفين لحل أي مشكلة بين القبيلتين. وهنا أناشد ناظر الرزيقات وناظر البرتي وكذلك نظار القبائل في شمال وجنوب كردفان الذين لهم صلة واحترام من القبيلتين، أن يسعوا بين الأهل الحَمر والمسيرية لحل أي خلاف بين الطرفين،
وكذلك على الأخوين البرهان وحميدتي أن يسهِّلا هذا الأمر.
ورسالتي هذه إلى الأهل الحَمر والمسيرية أن يجلسوا مع بعض لحل هذه الأزمة بالعرف الأهلي المعروف وهم أكثر معرفة بذلك، لأنهم خبراء ومُختصون فيه ومن صُنّاعه.
وكذلك رسالتي لحكماء السودان أن تكون هنالك مبادرة لعلاج هذه المعضلة.
وكذلك رسالتي إلى شباب القبيلتين عليكم بالتعقل والحكمة، وإلى الذين يكتبون في وسائل التواصل عدم تأجيج الصراع، وعدم الدعوة إلى القبلية (دعوها فإنها منتنة).
نسأل الله تعالى أن يحقن دماء أهلنا، وأن يسود السلام والمحبة بين الأهل المسيرية والحَمَر، بل كل ربوع البلاد، بما في ذلك ما يجري في النيل الأزرق السودان.
صحيفة الصيحة