التقيت مصادفة قبل يومين في شارع الله أكبر، أحد الذين كانوا يعملون بكافتيريا (على الطائر) التي كانت تحتل موقعا أرضيا في فندق أراك الذي كان، وبعد السلام والكلام (وحق الله بق الله)، استعدنا ذكريات تلك الكافتيريا حيث كنت زبونا مداوما عليها، فقد كانت تلك الكافتيريا تشتهر بصنع فطائر وسندوتشات كبدة فراخ (تاكل صوابعك وراها)..أعاد لي هذا اللقاء العابر حكاية حوادث الاغتيال التي وقعت ببعض الفنادق منتصف ثمانينيات القرن الماضي وهزت الرأي العام الداخلي والخارجي، ومنها حادث فندق أراك الذي أغلق أبوابه بعدها ولم يستأنف نشاطه حتى اليوم، نذكر منها حادثة فندق الأكربول القريب جدا من أراك، ووقعت تلك الحادثة عندما فجرت مجموعة ارهابية تحسب نفسها فدائية، مطعم الأكربول ما أسفر عن مقتل زوجين بريطانيين مع طفليهما وبريطاني آخر وعاملان سودانيان وأدى إلى إصابة آخرين، واستهدف ذلك التفجير النزلاء الغربيين المقيمين بالفندق، انتقاما لاغتيال اسرائيل الزعيم العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير في تونس، كما نذكر حادثة اغتيال العالم الشيعي العراقي وأحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامي، محمد مهدي الحكيم، الذي قدم للخرطوم للمشاركة في المؤتمر الذي نظمه تنظيم الجبهة الاسلامية القومية الذي يقوده الراحل حسن الترابي، وتم اغتيال الحكيم في بهو فندق الهيلتون الذي كان يقيم فيه، بإفراغ مجهول طلقات عليه من مسدس كاتم للصوت.. كان فندق أراك يعد من أشهر معالم العاصمة وأكثرها حيوية، كما كان أحد الفنادق المفضلة للسياح والزوار الأجانب ورجال الأعمال وعقد الملتقيات الكبيرة، ويقع الفندق في قلب العاصمة وفي منطقة حيوية تعج بالنشاط التجاري ولا يبعد عن القصر الجمهوري الا بضعة أمتار، وتحيط به العديد من المصارف الكبيرة، ويفصله شارع صغير عن مسجد الخرطوم العتيق، ويتألف من ثماني طوابق وكان طابقه الأرضي مشغولا بعدد من المحال والدكاكين، نذكر منها اجزخانة العاصمة المثلثة، ومحلات منصفون للأجهزة المرئية والمسموعة، واستديو بابا للتصوير الفوتغرافي، ومحلات مكسيم لسندوتشات البيرقر وغيرها، فهذا فقط ما أسعفت به الذاكرة اذ مضت على اغلاقه نحو ثلاثا وثلاثين عاما، وبدأت حكاية أراك حين تلقت الشرطة بلاغا من ادارة الفندق بإنبعاث رائحة كريهة من داخل الفندق بصورة مزعجة، وكانت الشرطة قبلها تلقت بلاغا بفقدان تاجر عملة يحمل كمية كبيرة من الأموال، وبعد ما اجلت الشرطة نزلاء الفندق وشرعت في التفتيش طابقا طابقا كما تقول احدى الروايات، تفاجأ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺎﻟﺘﺎﺟﺮ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩ ﻃﺮﻳﺤﺎ ﻭﺳﻂ ﺑﺮﻛﺔ ﺩﻣﺎﺋﻪ ﺍﻟﺠﺎﻓﺔ ﺑﺎﻟﻐﺮﻓﺔ ﺭﻗﻢ (612)، ﻭﻫﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻬﻤﻠﺔ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﻟﺤﻔﻆ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ﻭﺍﻷﺛﺎﺛﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻔﺔ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺠﺜﺔ ﻣﻐﻄﺎﺓ ﺑـ (ﺑﻄﺎﻧﻴﺘﻴﻦ) ﻭﻣﻠﻘﺎﺓ ﺑﻴﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﺳﻲ ﺍﻟﺠﻠﻮﺱ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ويبدو أن أحدهم استدرج القتيل الى داخل الفندق وأجهز عليه للاستيلاء على ما يحمله من أموال، واختلفت الروايات حول مسار القضية، تقول احداها انه تم كشف الجاني ومحاكمته وﺗﻨﻔﻴﺬ ﺣﻜﻢ ﺍﻹﻋﺪﺍﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺴﺠﻦ ﻛﻮﺑﺮ، بينما تقول الاخرى ان القضية مازالت محلك سر ويرفض حتى مالكو الفندق الحديث حولها، ﻭتم تبعا لذلك اغلاﻖ ﻣﻠﻒ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻭﺃﻏﻠﻘﺖ معها ﺃﺑﻮﺍﺏ الفندق الى اليوم، وبسبب الاغلاق الطويل مجهول الاسباب والدوافع صار الفندق كالحا كئيبا أشبه بمبنى للأشباح، وتدور حوله الكثير من القصص تذهب الى أنه بات سكنا للجن والأرواح الشريرة..فما هي ياترى حقيقة هذا الفندق الذي أصبح لغزا محيرا، ولماذا يبقى هذا المبنى وفي هذا الموقع المميز على حاله الخرب هذا حتى اليوم، ولماذا لا تتم استعادة سيرته الأولى أو اعادة اعماره لأي غرض آخر..فهل من مجيب..
صحيفة الجريدة