لم توجد فئة في المجتمع إلا وأعلنت إضرابها أسوة بغيرها من الفئات، فمن ناحية فهي تقول ليس الآخرون بأفضل منا، فإن كان من عمل فنحن نعمل، وإن كان من أهمية، فعملنا لا يقل أهمية عن الآخرين، فما عدم إضرابنا إلا جبن أو تقليل لمهمتنا في المجتمع، ومن ناحية أخرى شاهدنا فاعلية الإضراب، فما من فئة أعلنت إضرابها وتوقفها عن العمل إلا واستمعت لها الحكومة.
نعم استمعت إليها الحكومة إذ يقال أن هناك جسما ما يسمى حكومة حايم في كل أرجاء البلد لا أحد يراه أو يفسره مثله تماما مثل (البعاتي) في أدبنا الشعبي الذي وضع من نسج الخيال ليضبط به سلوك الأطفال عند أمهاتهم.
صارت الحكومة عندنا مثلها مثل هذا (البعاتي) يتكلم الناس عن أفعالها ولا أحد يعرف كنهها وهويتها.
فمن أول إضراب لفئة من فئات الدولة أليس هذا مؤشر واضح ورسالة واضحة للحكومة أن انتبهي لهذه الفئات صاحبة الدخل المحدود؟
فما تقوم به الحكومة إزاء كل إضراب هو فقط حل مشكلة الفئة صاحبة الإضراب.
فهي نظرت لإضراب أساتذة الجامعات فقط ثم بعد ذلك نظرت لإضراب المعلمين فقط ثم بعد ذلك جاء دور عمال الكهرباء وبعدهم أطباء الامتياز وظهر اليوم دور موظفي الإذاعة والتلفزيون وغيرهم، فبهذا التسلسل للإضرابات وتفاعل الحكومة معها.
أوصلت رسالة للكل مفادها أن من يريد أن يدافع عن حقوقه فليضرب.
ألا يكفي يا حكومة إضراب واحد يلفت انتباهك أن ثمة أزمات تطال موظفيك؛ لتعلني بعد هذا الإضراب بأن كل فئة عاملة للدولة ترفع متطلباتها ونواقصها لينظر فيها؟
أليس هذا أولى من أن تنتظر الحكومة إضراب كل فئة حتى تهتم بعد ذلك لمتطلباتها وتعمل على تحقيقها؟!!
حتى لا يتضرر المواطن من هذه الإضرابات المتعاقبة عليه إزاء خدمات ليست أساسية فقط بل لا يستطيع أن يمارس حياته بدونها؟
بل حتى المضربين أنفسهم يصابون بكمية من الإحباط والإحساس بأنهم مهملون ولا أحد يدرك قيمة ما يقومون به من خدمات لهذا الوطن.
إن هذه الإضرابات المتعاقبة التي شملت عددا من الفئات الحيوية في المجتمع أحيانا كثيرة ينظر عبرها أن هذه الحكومة جاءت من بلاد أخرى ولا علاقة لها بهذا المواطن سواء المستفيد من الخدمة أو المضرب عن عمله.
إنها لا تدرك عن الجميع شيئا.
كل مساحة إدراكها محصور فيمن يهدد وجودها ويزعزع استقرارها.
فلا يحركها إطلاقا معاناة المواطن بل لا تعرف عنه شيئا تستيفظ فقط وتنتبه يوم إعلان الإضراب؛ لأن هذا الإعلان له علاقة مباشرة بوجودها وباستمرارها في الحكم.
لا تنظر إليه ولا تبحث عن أسبابه.
أول ما تقوم به نبرة التهديد، فإن نجحت كان وبها، وإن لم تنجح سعت للحلول الأخرى وهي تهدئة المضربين سواء بتحقيق جزء من مطالبهم أو كلها المهم عندها أن توقف الإضراب.
أي بلوة هذه التي ابتلى الله بها هذا الشعب؟
فلينظر هذا الشعب إلى أعماله وعلاقته بربه، فلربما هذه الحكومة عقاب من رب العالمين لهذا الشعب حتى يفيق وينتبه لذنوب ارتكبها.
الله أعلم.
صحيفة الانتباهة