الدستور الإنتقالي : التفتيت الناعم
(1)أبدت دول الترويكا ترحيباً مشروطاً بمشروع الدستور الإنتقالي في السودان وقالت في بيان لها يوم ١٢ سبتمبر الجاري (إن اي مشروع دستور لابد أن يضمن تأييد أكبر قاعدة جماهيرية)، وقد سارع الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي وقائد قوات الدعم السريع بالترحيب بالمشروع قبل الإطلاع عليه كما ورد في التعميم.. ومن الواضح أن الساحة السياسية مفتوحة على كل الخيارات والإحتمالات في ظل غياب إرادة المضي قدماً.. ولذلك تتكاثر المزايدة على المواقف الضبابية..
لم تتم مناقشة مواد المشروع المقترح وهو يزاوج بين الإعلان السياسي في مقدمته وبعض مواده وبين الوثيقة الدستورية في تغييبها للإرادة الشعبية والإستفتاء الشعبي وبين فش غبينة بعض الحزبيين من المغامرين السياسيين..
(2)
لقد رحبت قوي الحرية والتغيير بالمشروع وهو يحقق كل أهدافها ويرد لها سلطة مفقودة مع إعادة إحكام دستوري، وتفصيل المواد بما يوفر اقسي قدرة على البطش بالآخرين وفق (القانون)، ودون مراقبة أو مراجعة، وحتى المحكمة الدستورية المستقلة (يختار رئيسها واعضاءها قوي الحرية والتغيير)..
وأيدت دول الترويكا (فرنسا وإيطاليا والمانيا والنرويج وهولندا وإسبانيا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية ) المقترح بإعتباره (معبر في حقل الألغام..
وهناك ثلاث ملاحظات على دفتر ترحيب الفريق أول حميدتي :
– مجرد إبداء نوايا لفتح (كوة) في حائط مسدود..
– مسايرة للقوى الدولية..
– إستباق موقف مجلس السيادة الإنتقالي والمكون العسكري..
وفى كل الحالات فإن خطوة الفريق أول حميدتي هو مشروع للتراجع أكثر منه المضي قدماً.. فقد شكك حميدتي في مبادرة الشيخ الطيب الجد (نعرف من وراءها ورؤساء اللجان) لم ينظر لها كجهد سوداني أو محتوي قابل للقراءة والنقاش، بينما رحب هذه المرة دون إطلاع، فالأمر أقرب للمناورة السياسية..
(3)
وبهذا الموقف، فإن الأطراف متعادلة في بؤس الحال، ولم تعد قوي الحرية والتغيير على ذات وحدتها، فقد خرج عنها جماعة من الأحزاب والحزب الشيوعي ولجان المقاومة وتجمع المهنيين وفقدت تأييد الحركات الموقعة على إتفاق جوبا..
وقد تأخر حميدتي في تأييد خطوة إنسحاب الجيش من العملية السياسية وهو الآن يبادر للترحيب بمشروع أكثر مواده موجهة إليه..
فهذه المواقف هي تأكيد على (إنسداد الأفق السياسي) أكثر من تحقيق إنفراج في أزمة..
(4)
من الواضح أن المجتمع الدولي أدرك هذه الحقائق وقد جاء في بيان الترويكا (نؤكد ضرورة مشاركة جميع الأطراف السودانية، بما في ذلك الجيش، بشكل بناء في عملية سياسية لاستعادة الانتقال بقيادة مدنية إلى الديمقراطية” وأضاف البيان (لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من العمل لضمان قبول أي اتفاق بشأن ترتيب انتقالي من قبل أغلبية واضحة من القوى السياسية والاجتماعية)، لم يعد المجتمع الدولي مستعداً لإسناد جماعة سياسية وأجندة حزبية، بقدر ما أصبح أكثر تفهماً للتعقيدات الراهنة..
(5)
وأفضل الخيارات هو حوار بلا سقف إقصاء يؤسس للمباديء الكلية دون نظر للجماعات السياسية وصراعاتها، خاصة أن الجميع فقد الزخم الشعبي، كانت تجربة قحت شاهد على ضعف الكفاءة والخبرة وغياب الرؤية وتحاول الآن العودة للسلطة من بوابة ناعمة وبدعم واضح من أطراف دولية، وزاد عليها البرهان بتردده وبطء خياراته..
د. إبراهيم الصديق على