خبراء ضرائب، شددوا على إلغاء الإعفاءات في القوانين الخاصة والاتفاقيات لكل أنواع الضرائب، وإلغاء الإعفاءات الضريبية لقطاعات التعليم والصحة الخاصة، كذلك تشديد العقوبات والجزاءات على كل المخالفات الضريبية، خاصة “التهرب الضريبي”، وكشفوا عن رصد (3.966) مخالفة ضريبية خلال النصف الأول من العام الجاري.
هيبة الضرائب
شدد الأمين العام لديوان الضرائب د. محمد علي مصطفى، على أهمية قانون الإجراءات الضريبية، وقال في ورشة عمل “تنمية الإيرادات الضريبية”، إن القانون تم تقديمه العام الماضي ضمن القوانين المصاحبة للموازنة ويضم المصادقة والعقود التنافسية، وتعظيم الإيرادات، كذلك تمت مناقشة أمر (المنفستو)، موضحاً أنه تم الاتفاق مع اتحاد غرف النقل على تجربة لمدة (3) أشهر لطباعة المنفستو في المطبعة الحكومية، وحال استجلبت التجربة أموالاً جيدة يمكن استمرارها، وسيشمل ذلك كل أنواع (المنفستو).
وفيما يتعلق بالمحاكم المختصة، أكد مصطفى، مطالبة الديوان رئيس القضاء بتخصيص قضاة للضرائب، وتم تحديد قاضٍ مختص بالضرائب في كل من الخرطوم، بحري وأم درمان، وفي كل رئاسة ولاية سيكون هناك قاضٍ مختص بالضرائب، وأضاف: (توجد مشكلة في التعامل مع إيصال 15 وعدم وصول المعلومات من النظام “السستم” بسبب عدم وجود الربط المباشر).
اختناق وظيفي
وقال مصطفى، إن توحيد الإجراءات الضريبية مهم جداً، وسنسعى لتكوين جسم لمتابعة الأمر، الهيكل التنظيمي به مشاكل لأن القمة ضيقة، ومن الرابعة وما دون تكون هناك مشكلة كبيرة. وشهد العام 2021م الشروع في عمل الترقيات، طلبنا من المالية ومجلس الوزراء استحداث (400) وظيفة في الدرجة الرابعة، ولم يتم استيعاب الأمر، فلا يعقل أن يكون هناك (500) شخص يتنافسون في الدرجة الثالثة أو الثانية ليترقى منهم (80) فقط، لذلك نجد الشكاوى كثيرة، والديوان بصدد تعديل الهيكل لمعالجة الاختناق بالدرجات العليا.
إصلاح الحال
وأفاد مصطفى، أن مفهوم سلطة الإيرادات موجود في كثير من الدول وتعمل به، وكانت هناك محاولة لتكوين سلطة لتوحيد الضرائب والجمارك لكن الأخيرة رفضت، لأن لديها امتيازات، (لذا نحن نحاول نصلح حالنا)، كذلك نجد أن العاملين بوزارة المالية منحهم مجلس الوزراء تصديق تحسين شروط، بينما وزارة المالية أبانت أن الضرائب ليست من إدارات المالية، إلا أن وزير المالية أكد أن هذا الحديث غير صحيح والضرائب في قلب وزارة المالية.
وأشار مصطفى إلى تحسين شؤون الخدمة بإضافة (3%) من دخل الضرائب لتحسين معاش العاملين بالضرائب، وأنها لا تكلف أكثر من (275) مليوناً، وأفاد بأن ما يتم صرفه في الديوان يشمل مرتبات كل العاملين، لا يتجاوز (3) مليارات، وتابع: (إذا منحنا 3% سنكون بخير).
التزام وتنسيق
وقال وكيل وزارة المالية عبد الله إبراهيم، إن إدارة الضرائب رغم أهميتها (إلا أنها لم تعط العناية الكافية)، مع وجود إشكالات مالية وتقاطعات بين التشريعات الاتحادية والولائية، داعياً إلى إيجاد إدارة تحكم التنسيق الكامل بين الحكومة على مستوياتها المختلفة في أمر فرض الضرائب.
وأمن إبراهيم على أهمية أن تكون هناك سلطة للإيرادات بالسودان تحقق سيادة لقانون للضرائب، كذلك المضي في تحسين شروط العاملين بالديوان أسوة بوزارة المالية، وقال إن المالية فوراً تسعى جدياً في التطبيق.
وأشار إبراهيم، إلى أن نسبة (2%) من الإيرادات، حال زادت معدلات الربط، ليس هناك مانع، في تخصيص جزء من الربط لإصلاح حال العاملين بالديوان.
الإعفاءات الخاصة
وطالب عبد القادر محمد أحمد الأمين الأسبق لديوان الضرائب، في مداخلة بالورشة، بضرورة إلغاء المراكز الضريبية، وقال: (إنني من اقترحها أثناء ولايتي بغرض جمع ضريبة أرباح الأعمال)، إلا أنهم أصبحوا مركزين في المقام الأول على ضريبة الدمغة والقيمة المضافة، موجهاً إلى ضرورة إلغاء إعفاء الخدمات التعليمية والصحية، لأنها أصبحت تجارية في المقام الأول، مشيراً إلى أن الجمع بين القيمة المضافة ورسوم الإنتاج أمر غير صحيح (كالجمع بين الأختين)، كما أن ضريبة المركبات الجديدة ليس لها معنى.
مخالفات وغرامات
رصد الخبير الضريبي، عادل محجوب، (3.966) مخالفة ضريبية خلال النصف الأول من العام الجاري، متمثلة في مخالفات منفستو وبضاعة من غير فاتورة وفرق سعر بالفاتورة، إضافة إلى مخالفات لإيجارات سجل تجاري وغير مسجل، وقال محجوب، خلال ورقته “الإصلاح الضريبي لآليات الرقابة ومكافحة التهرب الضريبي وأثره على تنمية الإيرادات”، إنه تم تحصيل مباشر عن المخالفات بمبلغ قدره (631) مليون جنيه، ومبلغ تحصيل منفستو ضريبي لعربات غير مسجلة بمبلغ قدره (971) مليون جنيه بإجمالي تحصيل (1.602) مليار، وتم تحويلها إلى مكاتبها ومراكزها المختصة، لمعالجة موقفها الضريبي.
مؤشرات سالبة
وأوضح عادل محجوب أن الهدف من الرقابة الضريبية، يتمثل في الحد من استغلال أساليب التهرب الضريبي، مثل مراكز التوزيع الصورية وإيجار السجلات التجارية والممارسة المخالفة بالفاتورة والمنفستو الضريبي، عبر ضوابط إجرائية، إلى حين اتخاذ سياسات وإجراءات مناسبة لحسمها، واستعرض أسباب التهرب الضريبي، التي برزت في ضعف الوعي الضريبي والانتماء الوطني، بجانب كثرة الرسوم الحكومية والولائية والاتحادية المفروضة من وحدات مختلفة، وعدم الرشد في الإنفاق العام، وضعف الاهتمام بتقديم الخدمات العامة للمواطن، كذلك طرق فرض الضريبة من حيث كبر سعرها وعدم عدالة فرضها، ضعف تطبيق العقوبات، ثم وجود ثغرات بالتشريع والعمليات الفنية والإدارة الضريبية، وذكر من أسباب التهرب الضريبي ضعف العمل المؤسسي للدولة، وعدم الاهتمام بتفعيل تطبيق القوانين الضريبية.
التهرب الضريبي
وأكد عادل، أن مؤشرات التهرب الضريبي في السودان تعود إلى كبر حجم الاقتصاد غير الرسمي وانتشاره بمجالات عديدة، مثل التعدين التقليدي والمقاولات وتجارة العقارات والذهب والعملة والعربات والمحاصيل، وغيرها من الأنشطة التي تمارس دون تراخيص وتسجيل ضريبي.
وكذلك من مؤشرات التهرب الضريبي في السودان، وجود قطاعات دخل كبيرة خارج دائرة الالتزام الضريبي، مثل الجامعات والمدارس الخاصة والأعمال التجارية التي تقوم بها المنظمات و(الشركات الرمادية)، وكذلك الاستخدام الكبير للاستيراد التجاري عبر أساليب الأمتعة الشخصية ومؤشرات عن حسابات مصرفية كبيرة الإيداع والسحب لأفراد ليست لهم ملفات ضريبة، وكذلك هنالك ظاهرة وجود ثراء مشاهد كبير والكثير من غير الملتزمين، مبيناً أن عدد الشركات المسجلة نحو (67,906)، بينما عدد الملفات الضريبية المسجلة (39.915)، أي بنسبة (59%).
تحديات راهنة
وأشار عادل، إلى أن أبرز التحديات الاقتصادية الضريبية الراهنة، دمج الاقتصاد غير الرسمي بالاقتصاد الرسمي ودفعه للمساهمة بالإيرادات الضريبية من خلال برنامج إصلاح هيكلي، يتضمن حصراً وتكوين قاعدة بيانات شاملة لكل الأنشطة بالسودان، وتقوية دور أجهزة الرقابة الضريبية بتوفير الكوادر المؤهلة ومعينات الحركة والاتصال، بجانب تطبيق عقوبات صارمة لعدم الالتزام بالفواتير ومنح حوافز تشجيعية لطلب الحصول عليها عند شراء السلع والخدمات.
ظاهرة خطيرة
انتقد عادل محجوب، أداء إدارة السجلات التجارية واصفاً إياها بـ(الخطيرة)، وقال إنها تُفقد الدولة عائدات الصادر والإيرادات الضريبية، كما يستخدمها الأجانب المحظور عليهم قانوناً الاستيراد والتصدير، مما يسبب ضرراً مزدوجاً عبر تهريب قيمة أرباح الاستيراد بالعملة الحرة أو صادرات دون إرجاع حصائل، كذلك استخدمت في أعمال غير مشروعة مثل استيراد المخدرات وخلافها، كما أفقدت الدولة عائدات سلع نقدية مهمة مثل السمسم والثروة الحيوانية والصمغ وغيرها، مؤكداً أن “إيجار السجلات التجارية” يساعد على استشراء الظواهر الضارة للاقتصاد، مثل شراء وتهريب العملة الحرة، ويساعد على عدم الالتزام بالمنفستو الضريبي السليم، لعدم التزام “مؤجر ومستأجر” السجل بتقديم الإقرارات الضريبة، والاستفادة من الخصم.
منافذ تهريب
عد عادل، مراكز التوزيع من أبرز مظاهر التهرب الضريبي، وتتم ممارستها لأجل مصلحة ثلاثة عناصر هم: أصحاب مصانع السلع أو كبار المستوردين والتجار المتعاملين ببيع هذه السلع في مراحل التوزيع، ويترتب على هذا الأمر هدر ضريبة أرباح الأعمال وضريبة القيمة المضافة في مرحلة تاجر الجملة، وتنتشر هذه الظاهرة بشكل كبير في السلع ذات القيمة الكبيرة وحجم التداول الأكثر مثل (الحديد، الأسمنت، الشاي، المواد الغذائية، العصائر، والمياه الغازية، الصابون، وغيرها).
توجيهات وأوامر
وأوصى عادل، بضرورة حصر وتكوين قاعدة بيانات شاملة لكل الأنشطة بالسودان، وتسهيل إجراءات الترخيص وكل الإجراءات الحكومية المرتبطة بالتسجيل الضريبي، ثم إضافة المادة (3) بالمادة (21) من قانون الضريبة على القيمة المضافة لسنة 2001، الذي ينص على: (يجوز للأمين العام إصدار أمر بإلغاء أي فواتير أو منفستو يستعملها أي مكلف بعد الطباعة، كذلك وضع ضوابط إجرائية تمكن من عدم تزوير المنفستو الضريبي أو سوء استخدامه، وتصميم منفستو ضريبي ورقي بضمانات َيصعب تزويره وتسربه، إلى جانب
تعميم تجربة الدفع الإلكتروني للضريبة على “المنفستو” بكل المكاتب الضريبية المختصة).
مراجعة والتزام
وجهت توصيات ورشة عمل “تنمية الإيرادات الضريبية”، بالاستمرار في سياسة مراجعة الإعفاءات بموجب أوامر من قبل مجلس الوزراء، وإلغاء الإعفاءات في القوانين الخاصة والاتفاقيات لكل أنواع الضرائب، قصر الإعفاءات في قوانين الضرائب فقط حال اقتضت الضرورة، كما هو معمول به في معظم القوانين الضريبية بالعالم، وإلزام أجهزة الدولة بعدم استكمال أية إجراءات أو معاملات إلا بعد إبراز شهادة خلو طرف من الضرائب، وذلك فقاً للمادة (٧٠) من قانون ضريبة الدخل، وإلغاء الإعفاءات الضريبية لقطاعات التعليم والصحة (الخاصة).
قوانين ومعالجات
ودعت التوصيات إلى ضرورة استحداث وإجازة قانون خاص بالأحكام الضريبية، يغطي كل الإجراءات اللازمة وحقوق وواجبات الممولين المكلفين، ومراجعة فتوى إعفاء فائض التأمين من ضريبة أرباح الأعمال، وأيضاً مراجعة الجزاءات في قانون الضريبة على القيمة المضافة، وتحديدها على حسب نوع المخالفة، كذلك استحداث نصوص وأحكام ضريبية تمكن من حصر ومعالجة أنشطة التجارة الإلكترونية، وإضافة عدم إخطار الممول بمزاولة النشاط إلى جرائم التهرب الضريبي بالمادة (٧٤) من قانون ضريبة الدخل لسنة ١٩٨٦م باعتباره تهرباً كلياً.
جزاءات ومخالفات
وشددت التوصيات، على إلزام مراجعة الحسابات وخبراء الضرائب بقوانين سلوك وأخلاقيات المهنة، وتشديد العقوبات والجزاءات على كل المخالفات الضريبية، خاصة التهرب الضريبي، مع تسهيل وتبسيط الإجراءات الحكومية بما فيها الإجراءات الضريبية، إلى جانب تمكين ديوان الضرائب من الوجود داخل المحطات الجمركية، وفق المادة (٤/٤٠) من قانون ضريبة الدخل.
الجهاز القومي للإيرادات
وطالبت التوصيات، بتوسيع المظلة الضريبية أفقياً بما يضمن تحقيق العدالة الضريبية، وزيادة التوعية والتثقيف الضريبي، مع إنشاء الجهاز القومي للإيرادات لمواكبة الأنظمة الضريبية الحديثة، إضافة إلى تحسين شروط الخدمة للعاملين بديوان الضرائب، ورفع قدرات العنصر البشري للديوان، بما يلبي الاحتياجات الحالية والمستقبلية، إلى جانب تحسين بيئة العمل بالديوان وتوفير المعينات اللازمة.
تنظيم ومهام
وأشارت التوصيات، إلى ضرورة اتجاه الدولة وتبنيها للتحول الرقمي، ثم وضع إستراتيجية ورؤية واضحة مع تفعيل الجهة التنظيمية والإشرافية المسؤولة عن التحول، وتوفير الدعم السياسي والمالي والقانوني لإنفاذ مشروعات الرقمنة بالديوان، وإنشاء منصات رسمية للديوان على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، إضافة إلى ضرورة تحديث نظام الإدارة الضريبية بالتحول الكامل من التنظيم الإداري القائم على نوع الضريبة، إلى التنظيم الإداري القائم على الإدارة بالمهام.
الخرطوم: ابتهاج متوكل
صحيفة السوداني