[ … وعائشة الماجدي] — “1” —
يبدو أنَّ محكمة الاستئناف قد نظرت في أوراق قضيَّة الصحفية الأستاذة; عائشة الماجدي، ورأت التدخُّل فيما يلي العقوبة فأمرت بالاكتفاء بالمدة التي قضتها بالسجن، وأن يُطْلَقَ سراحُها.
وأنا هُنا – هذا المساء- ابتغاءَ تأدية وُجهة نظر فلسفية، ولتبليغ موقف.
ففي الوجه الأوَّل: فقد استبدل السيد مستشار حمدوك حُزْناً بربوةٍ ساقَهُ إليه الحظ، استبدلهُ بسهلٍ بسَهْوةٍ. في رأيي، لقد أتاحت السيدة عائشة للسيد المستشار فرصة أن يكون أرقَّ وألطف وأعظمَ الرجالِ سُمُوَّاً وشجاعةً وتسامِياً، وعلى أن يُدَلِّل على أنَّهُ ” حليم” بطبعه وبامكانه أن يتفضَّل إذا كانَ يراها مثله أو يصون عنها عِرْضَه إذا كان يظنها دونَه. فالحلم طبعٌ فلا كسْبٌ يجودُ بهِ لقولِهِ :” خُلِقَ الإنسانُ من عَجَلِ”. ولكنَّهُ أهدر السانِحة دونَ أن يكسب منها شيئاً بل خسر بإصراره على التقاضي في هكذا قضية بأن قدَّم قرينة ليست في صالحه من وُجهة النظر السيكولوجية، بينما كسبت عائشة في المقابل رصيداً من تجربة قويَّة من المؤكَّد أنها تزوَّدت منها بجرعة فعَّالة من العزم والصمود والتحمُّل. أنا أتوقَّع في مقبل تجاربها أن ولو اخترقها مثقاب لن تتأوَّه. إنَّ مثل هذه التجربة تُقَوِّي من يخوضها غضَّ النظر عن المُرْفَقات الأخلاقية. بأن يكون على خطأ أو على صواب.
هذا، وإنْ تكن الأُخْرَى، فقد ظفر رجال الخليفة المأمون برجُلٍ كان بذكر المأمون بفاحشٍ من القول ويسئ ذكرَه، فلما دخلوا به مقيَّداً أمرَ بضرب عنقه. فقالَ الرجُل: قبلَ أن يُضْرَبَ عنقي، دعني يا أمير المؤمنين أنشدك أبياتاً :-
زعموا بأنَّ البازَ أعلقَ مرَّةً
عصفورَ بَرٍّ سَاقَهُ المقدورُ
فتكلَّمَ العصفورُ تحتَ جناحِهِ
والبازُ مُنْقضٌّ عليهِ يطيرُ
ما بي لما يُغْنِي لمثلكَ شبعةً
ولئن أُكِلْتُ فإنَّني لحقيرُ
فتبسَّمَ البازُ المُدِلُّ بنفسِه
كرماً، وأُطْلِقَ ذلكَ العصفورُ
فتبسَّمَ المأمون، وأمَرَ باطلاقه فأُطْلِق.
كانَ هذا حينَ كانت فضائل الأكابر تسند رذائل الأصاغر، وقبل أن تختلط الأمور فلا تتبيَّن كبيراً من صغير، ولا تميِّز شريفاً من مشروف أو نِد مقاوِم.
شكري عبد القيوم