عادل عسوم
كم أجد نفسي وقّافا بين يدي احتفاء الله تعالى بال(قلم)، فقد ابتدر الله تعالى القرآن الكريم بذكر القلم:
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5).
والقرآن أنزله الله على نبيٍّ أُمِّيٍّ وأمّةٍ كانت أميّة، فلماذا ياترى كان الابتدار بالقلم؟!
انه سؤال كبير!…
ولان سبرنا غور الشعوب لوجدنا الفقر والمرض دوما يقترنان بالجهل، بل يكون الجهل أسبق منهما، انه الجهل بالحروف التي تشكل المعبر الحقيقي إلى العلم والمعرفة، أليس في ذلك شاهد وتكريم للقلم دون سواه من الأدوات التي يستعين بها الإنسان خلال حراكه الحياتي؟!
فالسيف والحراب والسهم والشراك والشباك كلها ادوات تسهم في جلب طعام يأمن الانسان به من جوع، وهل يعيش الانسان دونما طعام؟!
فلماذا كان الاحتفاء بالقلم دون غيره من الأدوات وماهو الاّ اداة تفرخ الحروف…
الاجابة على ذلك تكمن في سؤال:
ماذا تفعل الحروف؟!…
بالحروف يتعلم الانسان مالم يعلم (بنص آية العلق الكريمة)، وما لم يعلم هذه لعوالم وفضاءات رحييييييييييبة…
انها عوالم يضج بها حراك الحياة والبناء، فهو معْول للبناء، وأداة للارتقاء بالذوق والوجدان
وان كان يمكن استغلاله بعكس ذلك للهدم، فأصحاب الأقلام والكيبوردات هم من يشكلون وجدان الناس، وهم الذين يزرعون الخضرة في رحم كل ارض يباب، وهم من يقطفون أزاهير الفرح من بساتين الحياة ليزينوا بها جيد كل من اكتنفته الأحزان فانزوى وابتعد.
ما أجمل عراجين النثر وقناديل الشّعر عندما تنتظم البراحات، لكأنها نقش حناء في كفي عروس، تضج السعادة من جبينها الصبوح فتأتلق بها وجْنَتان تحكيان عن آلاء ربنا ولاتكذبان.
وللكلمات مخاضٌ يعجّ ببخور دونه ثغاء المواليد إعلانا بالمجيئ إلى الواقع والحضور، وإذا بالشفاه مشرعة لإلتقام حلمات أثداء الحياة.
كم اطرب لمظاهر الحياة في كل إبداع كتابي، إذ في ذلك نأي عن موات ما فتئ يأطرنا إليه بعض من عميت بصيرته، ووجدان قد اسودّ بأدران الأفكار العوجاء، وعقله قد عشعشت فيه المناهج الفطيرة المؤسسة على هوى أنفس نأت عن وضاءة القيم فراسخ وفضاءات، ودون ذلك وأد لمنهجِ عمران الأرض وغرس الفسائل انتظارا لموعد الإثمار.
فأهل الأقلام من أصحاب الحبر الزكي هم كذلك ورثة للأنبياء، وهم في الأشجار عراجين ثمار، وهم في معادن الأرض ذهب يأتلق جمالا، وهم في الأمواه سلسبيل بارد سائغ للشاربين، وهم في شِّعْبِ الأرض كما شِعْبِ بَوّان تصلُّ امواهه بحصاها صليل الحلي في أيدي الغواني.
كم تأسرني النصوص نثرها وشعرها، كم أجد فيها من الجنان والدُنا ما ترفرف فيها الأطيار في سماوات دونها سحب مثقلة بمزن الخير للناس؛ وفي الخاطر قول أبي العلاء المعري:
فلا هطلت عَلَيَّ ولا بأرضي غمائم ليس تنتظم البلاد
صحيفة الانتباهة