“لولا ثلاث لم يَقع حَيف ولم يُشهر سَيف”.. ابن السماك..!
(1)
أحياناً قد تتفوق هيبة ست الشاي أو بائعة الكسرة البسيطة – باستنارة نواياها ونبل حضورها – على نخبويّة المثقفين و”لولا” أدوار بعضهن التي لا تأخذها معظم النخب المثقفة أو الحاكمة على محمل الجد لما وجد بعض التأثير المطلوب على قواعد عريضة من الناس. فالانتماء إلى جلال وجمال الإنسانية – على إطلاقها – لا يعرف طبقيَّة المهن ولا يعترف بدرجات السلم الاجتماعي، والوطنية الحقة في معناها هي لواعج وأفعال لا تعترف بالمفاضلات الفكرية، والبطولات الحقة في مبناها هي جلال الأفعال لا نخبويَّة الفاعلين. ليس هنالك مناضل مثقف ومناضل تافه ولا يوجد فعل وطني كبير وفعل وطني صغير، بل توجد “شخصيات وطنية” تستطيع بإخلاصها في تنفيذ بعض الأقوال أن تجعل كل الأفعال كبيرة..!
(2)
إحدى خيبات أجهزتنا التنفيذية التي تتسربل بأثواب الطرائف تقول إنّ مسؤولاً رفيع المستوى قَرّر ذات يوم زيارة إحدى المحليات في بلادنا، فطلب الحاكم بأمره من المهندس المسؤول عن تنفيذ مشاريع الطرق فيها أن ينتهي من عمله بأقصى سرعة قبل وصول الرجل الكبير وعندما احتج المهندس بعكسية العلاقة بين السرعة والجودة قيل له إنّ المواصفات والمقاييس لا تهم، بل المهم هو إنجاز العمل قبل حلول يوم الزيارة. مبعث الطرافة أنّ الطريق المذكور لا يزال يمد لسانه المثقوب كل يوم لسكان تلك المنطقة، وهم لا يزالون يسيرون عليه – جيئةً وذهاباً – بالبركة، شأنه في ذلك شأن بعض إنجازات القائمين على العمل العام في بلادنا. و”لولا” زيارات بعض المسؤولين لما كانت مشاريع هلامية كثيرة تتخلّق في أطوار محدودة وتنمو في صور شائهة لخدمة مُناسبات موسمية يتم فيها إهدار المال العام في مسرحيات التظاهر بالعمل “تظاهر السلطة الأدنى أمام السلطة الأعلى بالعمل والإنجاز على حساب الكفاءة المهنية والترشيد الحكومي” وبعد ذلك الله كريم..!
(3)
اليوم اختلف مفهوم الضرر على مسرح الزوجية المحكوم بمتغيرات روح العصر وتطوّرت لغة الخطاب وتبدّلت مثاقل وموازين أطراف العلاقة أنفسهم، وبات من البديهي جداً أن تتغيّر صيغة إعلان الرجل عن زواجه من أخرى، من الإعلام الصارم اللا مبالي بالعواقب على طريقة الأجداد إلى إخفاء الأمر إيثاراً للسلامة على طريقة الأزواج العصريين. ومن الطبيعي أن يتبدّل موقف الزوجة من القبول المذعن على طريقة الجدات إلى الرفض المتمرد بطلب التفريق على طريقة الزوجات العصريات. وصار من المنطقي أن يثور جدل بين المنافحين عن قضايا المرأة والمتشددين في تأصيل القوانين حول “مشروعية زواج الرجل من ثانية دون علم الأولى” استناداً إلى مفهوم المعاناة الذي أقام عليه الشرع مبدأ الطلاق للضرر. قانون الأحوال الشخصية المصري يعتبر عدم العلم بزواج الرجل من أخرى موجباً لطلب التطليق للضرر، والقانون الماليزي يتجاوز مبدأ العلم إلى اشتراط إعلان القبول. هنا قد يقول قائل أين هو الضرر الهائل الذي يستوجب جبره وقوع الطلاق؟. فيجيب عليه آخر ليس من ضرر يقع على الزوجة أبلغ من كونها آخر من يعلم. و”لولا” إخفاء أمر الزواج من أخرى لما تحوّلت الصفعة العابرة إلى طعنة غائرة لا يبرأ جُرحها إلا بالقصاص، وأي قصاص “قصاص السنين”..!
صحية الصيحة