من الذكريات…
فى عام 1963 م تم انشاء مستشفى الزيداب… المستشفى دا اجمل مافيهو هو غرفة العملية واجمل مافي الغرفة دى هو زجاج الشبابيك والذى لم نشاهده نحن كقرويين في حياتنا من قبل فقد كان من نوع زجاج (الخلية) المعتم فكان مثار حديث الناس ورمزاً للفخامة والأبهة… بعد عشرات السنين كان الناس عندما يبني احدهم بيتاً فاخراً يقولون (شبابيكو قزاز زي قزاز العملية) وده بيعني إنو البيت مكتمل الفخامة!! فقد كانت (العملية) هي مقياس الفخامة والنظافة عندنا في الزيداب! الحكاية دى بتودينا للحكاية الجاية دى…
حكى لى صديقي القادم من احدى قرى السودان التعيسة إنو كان ساكن مع قريبه في الخرطوم وهو صبي صغير من أجل الدراسة وكان قريبه هذا متزوج من احدى قريباته وهى شبه اُميَّة وموغلة في القروية ومن القرية مباشرة إلى العاصمة حيث نقلت كل عاداتها وثقافتها إلى المنزل فلا عجب إن كانت هناك دجاجة ترقد فوق بيضها في المطبخ أو هناك حبل معلق في (الهول) تتدلى منه قطع الشرموط الجافة فوق رؤوس الجالسين على كراسي الجلوس بل إنها كانت تفكر جديّاً في احضار بقرتها لأن (العيمة) اخدتُن!! بالإضافة إلى ذلك كانت تتصرف كقروية مجاملة وحوامّة تزور الجيران كيفما اتفق فاضطرت جاراتها إلى رد الزيارة…
يقول صديقي بأن الجارات كن يعتذرن عن تناول طعامها أو الشراب من زيرها بل يطلقن عليها (تحت تحت) لقب الخرقاء!! يواصل صديقي بأن الشئ الوحيد الذي تعلمته من جاراتها هو اضافة البسكويت والموز والكاكاو إلى الكاسترد ويشاء القدر أن يحصل زوجها على عقد عمل خليجي فأعادها إلى القرية وهناك تم اعتبارها من المثقفات وادهشت القرية بوصفة الكاسترد الجديدة كحدث حداثوي لم تعرفه المنطقة من قبل واصبح يتم استدعاؤها في الولائم المهمة كخبير استراتيجي في حالة اذا زار مسؤول مهم للمنطقة لصنع الكاسترد وأطلقت عليها نساء القرية لقب (الفنجرية)!!
القصة دى أيضاً حكيناها عشان نحكي مارواه الصديق ابشر يوسف عضو رابطة ابناء الزيداب بالعاصمة وهو شاب نشط وهميم فقد حكى بأن مساعيهم كللت بالنجاح في استجلاب فريق طبي ايرلندي لإقامة ايام علاجية بالزيداب بالتعاون مع اطباء المنطقة داخل وخارج السودان حيث تم اعداد المستشفى جيداً لاستقبال هذا الفريق الايرلندي الذى يضم كفاءات طبية متقدمة ونادرة وعند وصول الفريق بمعية ابنة المنطقة بروفيسور صباح طيفور بدأوا في تفقد المستشفى وفور دخولهم إلى غرفة (العملية) والحديث للصديق ابشر حتى ظهرت علامات الذهول الممزوجة بالذعر على وجه طبيبة النساء والتوليد الايرلندية والتى اعربت عن (حزنها الشديد) قائلة بالإنجليزية إنو الغرفة دى أنا قطتي مابولِدها فيها!! حينها اجهشت بروفيسور صباح بالبكاء حزناً على معاناة نساء المنطقة!! فقد كنا نطلق على (عمليتنا) اسم الفنجرية ولكن هاهم الخواجات يسمونها علناً وامام الجميع بالخرقاء!!
يقول الصديق Ibrahim Tayfour في منشور دسم كتبه على صفحته بعد الحادثة بأن هؤلاء الخواجات قدموا لنا درساً بليغاً فقد اقاموا يوماً اضافياً حيث ذهبوا إلى السوق واشتروا من حر مالهم كميات ضخمة من المنظفات وادوات النظافة ثم ارتدوا (لبس خمسة) وقاموا بنظافة المستشفى ارضاً وسقفاً وحوائط وغسلوها مركزين على (الفنجرية) بل و حتى دورات مياهها (لم تسلم) من النظافة! ثم اشتروا الطلاء حيث تم طلاء جميع جدران العنابر حتى اصبحت المستشفى (ترقش) على حد تعبيره.
اعتقد بأن وجود هؤلاء الخواجات مهم على ظهر هذا الكوكب لضبط برمجة سلوك سكان بعض الدول والتى تعتبر عالة على البشرية !
الأستاذ على الشائب