محجوب مدني محجوب يكتب: ما دامت الإيجابيات همنا، فإننا بخير

محجوب مدني محجوب

لا يوجد أسوأ من العصبية، وهي الانتماء لجسم معين بخيره وشره، فنحن معه سواء أحسن أو أساء.
سواء أصاب أو أخطأ.
فهناك معياران معيار يحركه الحق ومعيار تحركه العصبية أما
المعيار الأول فهو الذي يقف عند الإيجابيات إذ له أكثر من مدلول منها:
* أنه يشير إلى أن الهم هو تطوير البلد.
الهم هو تجويد الأعمال الهم هو الخير وليس الشر.
* يشير إلى أنه يقبل المحسن، وبالتالي لا يتعكر وينزعج من أي جهة جاء منها هذا الإحسان.
* أن يرفض الإساءة مهما كانت مكانة من جاء بها.
أما المعيار الثاني الذي تحكمه العصبية، فلسان حاله قول الشاعر:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.
أس البلايا العصبية لجهة ما إذ أن العصبية تعمي البصر لا ترى الحق إطلاقا إلا من خلال جماعتها، وكل ما عداها باطل لاشك فيه.
لا ينبغي أن نرفض الآخر لمجرد اسمه.
وحتى يظهر الحق معنا وندافع عنه ينبغي أن نربطه بنا أو بغيرنا، فنحن ندين بالولاء لجهتنا بسبب هذا الحق، ونستعدي الآخر كذلك بسب هذا الحق حينئذ سننصر الحق في الجهتين، فمع انتمائنا لجهتنا ندعمه، وبهجوم غيرنا ندافع عنه.
وما هو أخطر من ذلك هو عدم إظهار هذه العصبية؛ فلأن الكل يدرك سوءتها ولا أحد يستطيع الدفاع عنها، فيظهر صاحب العصبية بأنه لا يدافع عن جهته إلا بدافع الوقوف مع الحق، ولا يهاجم الآخر إلا بسبب الذود عن الحق إلا أن حقيقته خلاف ذلك فهو مع جهته سواء أحسنت أو أساءت.
مع جهته سواء صدقت أو كذبت.
مع جهته سواء عدلت أو ظلمت.
وهو على حالته هذه يأخذ الحق درعا يخفي به عصبيته إلى أن يكشف أمره وتضح عصبيته للكل.
متى؟
حينما لا يلوم جهته إطلاقا.
حينما يكون الحق مخالفا لموقفها تماما ويقف عاجزا لا يستطيع أن يتخذ موقفا مخالفا لجهته.
حينما تحين لحظة الصفر، ولن يكون هناك خيار سوى خيار واحد.
ففي السابق حينما كانت هناك عدة خيارات استطاع أن يداري عصبيته، ولم يكتشف أمره أما حينما حان الوقت الذي لم يكن فيه إلا خيار واحد، فحينئذ وحينئذ فقط انكشف أمره.
فكم من منافق كان يصلي ويصوم ويجالس النبي صلى الله عليه وسلم بل ويجاهد وهو في كل يوم تزداد عصبيته ويزداد ولاؤه لجهته، فما إن حان الوقت الذي لا يمكن أن يسير فيه خياران، فهو إما أن يسلك طريق المرتدين أو يوالي الصديق رضي الله عنه يومئذ ظهرت حقيقته، ففي ذاك اليوم الذي والى فيه المنافقون المرتدين وعجزوا عن موالاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم يكونوا منافقين ساعتئذ، وإنما هم منافقون قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أشار عليه السلام عليهم وذكر أنه ياتي يوم وسيكشف الله فيه هؤلاء المنافقين، ويفضح امرهم، فما أن جاءت حروب الردة التي أقامها الصحابة رضوان الله عليهم نصرة لهذا الدين إلا وانكشف معها كل صاحب عصبية.
وظهرت مقولتهم المشهورة:
(كذاب ربيعة خير لنا من صادق مضر).
فهم يعلمون أن مسيلمة الكذاب ليس بنبي وإنما يدعي النبوة، ولكنهم اتبعوه لأنه من قبيلتهم ربيعة كما يعلمون علم اليقين صدق نبوة نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، ولكن لأنا نبينا ينتمي لقبيلة مضر كذبوه، ولأن مسيلمة ينتمي لقبيلتهم صدقوه
فقد انكشف مع حروب الردة من اتخذ الحق طيلة إسلامه جنة يواري به عصبيته.
لن نهلك من الأخطاء فالله خلقنا خطائين.
لن نهلك من الضعف فالله خلقنا ضعيفين.
لن نهلك من السقوط فالله جعل لنا الدنيا دار اختبار ودار تمحيص.
لن نهلك إلا بعصبيتنا ندافع عن الحق لا ندافع عنه، وإنما ندافع عن عصبيتنا وجهتنا ومن نوالي.
نهاجم غيرنا لا نهاجم همنا الحق، وإنما همنا عصبيتنا.
همنا جماعتنا التي ولت ولا نريد لها أن تتولى ما حيينا سواء كانت على حق أو باطل.
هنا مربط الفرس، وهنا الكارثة.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version