الانتخابات التي أقامتها مجموعة ال 10% من الصحفيين السودانيين هي إنتخابات في إطار الثورة والنضال، مجرد أداة من أدوات النضال من أجل هزيمة السلطة القائمة ومن ثم تأسيس سلطة ثورية جديدة تحكم البلد كلها بالشرعية الثورية، وليس بإنتخابات.
عندما فقد هؤلاء المناضلون السلطة، سلطة االثورة عادوا ليدركوا مجددا أهمية الديمقراطية، ولكن كوسيلة للتعبئة في معركة سياسية هدفها النهائي هو الوصول إلى السلطة، والحكم بشكل غير ديمقراطي، أي بدون انتخابات،( وبدون نقابات أيضا).
أليست مفارقة مضحكة أن هذه الانتخابات لم تجري طوال فترة حكومة الثورة، وقامت في ظل وضع يُوصف بالانقلابي. هذا أكبر دليل أن هذه “الديمقراطية” المدعاة ليست سوى مجرد وسيلة في صراع سياسي، وسرعان ما سيتم التخلي عنها عندما يتحقق الهدف منها، مثل كل الشعارات الكاذبة التي رفعتها المعارضة طوال حكم الإنقاذ.
ولكن على أية حال، نأمل أن تساهم المتاجرة باسم “الديمقراطية” بقدر ولو قليل في رفع الوعي العام بمفهوم الديمقراطية. فهذه الكلمة نفسها كانت غائبة تقريبا عن الخطاب السياسي لما يُسمى بقوى الثورة طوال الفترة الماضية، حيث تم استبدالها بمفردة أخرى فارغة ومضللة هي “المدنية” (و بالنسبة لي هي كلمة أصبحت مقرفة ومثيرة للغثيان)، وهي مفردة تحيل مباشرة إلى “قوى الثورة”. هل تتذكرون كيف كانت كلمة “مدنية” أو “مدنياااو” هي شعار الثورة، وليس الديمقراطية بما تعنيه من استحقاقات محددة واضحة؟
من حسنات الإطاحة بالمسخ المشوه الذي اسمه سلطة الثورة هو أن مفردات “الحرية” و”الديمقراطية” و”الإنتخابات” عادت لتكتسب معناها الأصلي من جديد، بعد أن كانت عبارة جريمة. فكلنا نتذكر، ولن ننسى كيف كانت الدعوة إلى إنتخابات مبكرة هي في حكم الكفر والخيانة، وكل من يدعو للإنتخابات يواجه بالتشكيك والسخرية، نتذكر كيف قوبلت دعوة السيد الصادق المهدي -رحمه الله- للإنتخابات كمخرج لمنع الانقلاب وسيناريو الحرب الأهلية وكأنها دعوة ضد االثورة.
ونتذكر أيضاً كيف كان بعض “المناضلين” يحذرون من الإفراط في إتاحة الحريات في زمن الثورة، و التبرير هو أن “أعداء الثورة” سيستغلون هذه الحرية لهزيمتها، و يتم الاستشهاد بتجربة الديمقراطية الأخيرة وكيف كانت صحف الكيزان تهاجم السلطة الديمقراطية ما أدى في النهاية إلى الإنقلاب عليها. من يصدق أن حجج كهذه كانت تُقال في الإعلام وبشكل صريح: “لن نسمح بتكرار تجربة الديمقراطية الرابعة؛ حينما أدت الديمقراطية إلى إسقاط الديمقراطية.” هكذا كان الحال في عهد الثورة. فشكراً لهذا الإنقلاب الذي جعلكم تعودون إلى الديمقراطية والإنتخابات.
بلاش استهبال.
حليم عباس