أو سكين السخيل..
والعنوان يشابه قصيدة شاعرنا الحردلو التي يقول فيها (سيف وسكين)..
ولكن المعنى هنا مغايرٌ تماماً..
فهو ليس فيه فخرٌ ببعض لوازم التميُّز السوداني كما عند شاعرنا هذا..
وهي القصيدة التي عنوانها (يا بلدي يا حبوب)..
وإنما الفخر هنا بالسخل – والعتود تحديداً – لدى رجل اسمه أبو سكين..
ولا أدري إن كان هذا لقبه أم اسمه..
وأياً كان الأمر – سواءً اسماً أم لقباً – فهو ذو سكين لا تفارق ذراعه..
ثم يُعملها دوماً في عتود تلده إحدى عنزاته..
ومواليد الغنم تُسمى جميعها سخلاً – والمفرد سخلة – وهي صغيرة بعد..
فإن كبرت قليلاً سُمي الذكر منها عتوداً..
ولكن لوازم الفخر لدى الرجل السوداني تنطبق أيضاً على أبي سكين هذا..
وذلك بحسب مبدعنا الراحل سيد أحمد الحردلو..
فهو وإن كان يفخر – جارنا – بما تلده عنزاته فإنما يفخر أيضاً بسيفه وسكينه..
وكأنه يعيش في عصرنا هذا بعقلية زمان (كرري)..
سيما وأنه ينتمي إلى طائفة الأنصار فكراً؛ وإلى بطلها عثمان دقنة نسباً..
وكان بيته يتناسب – كذلك – وصفاته هذه..
فهو منزلٌ يشابه ما كان يبنيه أنصار المهدي على عجلٍ؛ في حلهم وترحالهم..
وكان مجاوراً لنا في زمنٍ مضى..
أو نحن الذين جاورناه في بدايات الإنقاذ؛ شخصي وجاري مجاهد المحامي..
وكان مجاهد هذا يشاطرني همي السياسي ذاته..
فقد كان يعتورنا همٌّ – وغمٌّ – جراء انقلابٍ سطا على الشرعية بليل..
وبات الفرح في حياتنا أندر من لبن العصفور..
وذات صباح مررنا بأبي سكين هذا فوجدناه منتشياً (وفنجان جبنة بشماله)..
وكنا نحب مداعبته؛ لعدم انشغال باله بحركة الكآبة..
ولا حتى بما كان يخيِّم على الأجواء من حزن بسبب إعدامات رمضان..
وكان حدثاً لا يزال طازجاً؛ وذا دماءٍ طازجة..
فسأله مجاهد عبد القادر (كيف الأحوال يا جارنا العزيز أبو سكين؟)..
فابتسم ابتسامة في طول جسر المنشية..
ثم قال فرِحاً (الحمد لله؛ الولية بتاعتنا ولدت…والعنزة كمان ولدت)..
ما يعني أنه حَظي بعتود سيشويه عما قريب..
وحسدناه على بساطة حياته – وباله – بينما حالنا نحن (يصعب على الكافر)..
وظل حالنا كذلك لأكثر من ربع قرن من الزمان..
حتى إذا ذهبت الإنقاذ – واستبشرنا خيراً – وجدنا أننا ما زلنا (نحمل الصليب)..
أو نحمل (صخرة سيزيف)..
أو نحمل جباهاً كُتب عليها مقطع (مكتوب لي العذاب في جبيني يوم ميلادي)..
وكأننا ملعونون لعنة (اليهودي التائه)..
وهذا – إلى جانب عوامل أخرى – ما دفعنا للتفكير في اعتزال الصحافة..
ثم البحث عن بقية حياة كحياة أبي سكين..
حياة أحد أسباب سعادتها توافر عتودٍ يُشوى؛ عوضاً عن حياةٍ على (شواية)..
علماً بأن الحل في سهولة حياة أبي سكين هذه..
فليس مطلوباً منا أكثر من الذي حدث – وبسهولة – عقب ثورة أبريل..
أو عقب ثورة أكتوبر من قبلها..
حكومة مستقلة…فتجهيز لانتخابات…فاحتكام إلى صناديق الاقتراع..
فقط هذا……….وخلاص..
لا مظاهرات…لا مبادرات…لا مماحكات…ولا تدافع على أبواب السفارات..
فما أحوجنا إلى انتقالٍ سلس..
انتقال عبر بوابة الانتخابات؛ وليس عبر أي بوابة أخرى..
وما أحوجنا لمثل معاني (بلدي يا حبوب)..
لنردد مع الحردلو (يا أبو جلابية وتوب…وجبة وصديري…وسيف وسكين)..
وما أحوجني – شخصياً – إلى شيءٍ إضافي..
شيء افتقرت إليه ثلاثين سنة….وازددت ثلاثاً..
إلى راحة بال كالتي كان يجدها جارنا أبو سكين و(فنجان جبنة بشماله)..
وسخيل وسكين !!.
صحيفة الصيحة