لا شك أن الجامعات الإسلامية في الدول الإسلامية التي انطلقت من منظور إسلامي خالص لا شك أنها من أكبر الأسباب التي تقوي وتنشر الدعوة الإسلامية كما أنها من أكثر المؤسسات التي يمكن أن تنافح وتدافع عن هذا الدين العظيم.
عرف المسلمون في العصر الحديث جامعات إسلامية عريقة ولعل أبرزها جامعة الأزهر بالقاهرة التي ما زالت من أعظم منارات العلم والمعرفة.
كذلك الجامعات السعودية كجامعة المدينة المنورة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
والجامعة الإسلامية بماليزيا.
والجامعة الإسلامية بباكستان.
وغيرها من الجامعات الإسلامية المنتشرة في بقاع العالم.
وعندنا في السودان جامعة أم درمان الإسلامية وجامعة القرآن الكريم وجامعة أفريقيا العالمية.
ولا تزال هذه الجامعات تؤسس لدراسات وبحوث وتخصصات أثبتت أهميتها وفوائدها.
إلا أن هذه المؤسسات مثلها مثل جميع المشاريع الضخمة التي ترتبط بالأمة وعقيدتها تواجه معضلات في غاية من الخطورة.
أكبر معضلتين تواجهان هذه الجامعات تتعلق واحدة منهما بإداراتها والأخرى تتعلق بمنهجها التعليمي.
أما التي تتعلق بإداراتها فهي أنها لا بد أن تكون جامعات مستقلة تماما عن أي جهة سياسية أو حكومية.
وذلك من أجل ألا تعمل تلك الجهات على توجيهها وخدمة سياستها، فحينئذ تحدث كارثتين الأولى سوف تقوى هذه الجامعات وتضعف وفقا لهذه الجهات التي ترعاها أما إن كانت مستقلة، فهي سوف تطور نفسها معها إن كانت هذه الجهات قوية، وسوف لن تصيبها سوءات وإخفاقات تلك الجهات إن كانت ضعيفة.
ارتباط هذه المؤسسات باتجاه معين قد تتسبب للإساءة لهذا الدين إساءة بالغة حيث ينسب كل خطأ وكل تقصير لتلك الجهات لهذا الدين وهو منه براء.
إن استقلالية هذه الجامعات ليس بالأمر المستحيل، فكثير من الجامعات تأسست في ظل أنظمة وجهات سياسية معينة وحافظت على استقلاليتها.
المعضلة الثانية خاصة بالمنهج حيث لا ينبغي أن تكرس هذه الجامعات لمذهب معين دون المذاهب الأخرى بل لا بد أن تتبنى جميع المذاهب الإسلامية على ألا يتم ذلك بصورة شكلية بل لا بد أن يتخلل مناهجها المقارنة العلمية والموضوعية بين جميع المذاهب، ولعل هذه النقطة مربوطة بسابقتها، فلن تستطيع الجامعة أن تكون شاملة لكل المناهج العلمية إلا إذا كانت مستقلة.
إن التركيز على منهج واحد يورث الجمود بل والكراهية ويورث الاعتداد بالذات ونبذ المذاهب الأخرى أو تجاهلها.
لا شك أن منظمة الدعوة الإسلامية لعبت دورا كبيرا وهاما في نشر الدعوة الإسلامية إلا أن دورها كان يمكن أن يكون أكبر من ذلك إن ظلت هذه المنظمة مستقلة عن التوجه الإسلامي للدولة، فهي أكبر من أن تنتمي لجهة سياسية أو تيار إسلامي بعينه.
إلا أنها لم تكن بقدر التحدي لذلك نالها ما نالها بسقوط الإنقاذ.
كذلك التعصب والتركيز على مذهب واحد قد يخلف ويفرخ لجماعات متطرفة تسيء إلى هذا الدين أكثر مما تخدمه.
إن فكرة قيام جامعات إسلامية همها نشر الدعوة وتقويتها فكرة في غاية الأهمية والحيوية بالرغم من أنه مشروع في غاية من الخطورة والتحديات إذ يمكن أن تتحول كبوق للأنظمة التي أسستها، وبالتالي تسيء للدين الإسلامي أكثر مما تحسن إليه.
كما أن مناهجها التعليمية إن كانت تخدم تيارا بعينه وتتجاهل عن قصد التيارات الأخرى، فهذا يؤدي مباشرة لتفريخ أفراد وجماعات متطرفة تتعصب للدين الإسلامي وتدافع عنه من غير بصيرة أو هدى يحكمها فقط توجهها الديني الضيق.
وبهذه المناسبة نترحم على الشيخ والعالم الجليل البروفسور الطيب زين العابدين الذي وافته المنية يوم الخميس الموافق الرابع عشر من مايو لعام ٢٠٢٠م والذي كان مثالا للشخصية المستقلة التي تنافح عن هذا الدين العظيم، فلم يرتبط اسمه قط بالاتجاه الإسلامي السوداني رغم أنه كان جزءا أصيلا منه بل ومن المؤسسين له كما لم يرتبط إطلاقا بالجامعة الإسلامية بباكستان رغم أنه مكث فيها ممثلا لتوجهها ردحا من الزمان.
فما أن يذكر الطيب زين العابدين إلا وتذكر معه هموم الدين والأمة بغض النظر عن المنبر الذي انطلق منه.
ألا رحم البروفسور الطيب زين العابدين فما أحوج الأمة لأمثاله لم يتنازل عن مبادئه إطلاقا فقد كان هو هو حينما كان الاتجاه الإسلامي ضعيفا يكاد أن يتخطفه الناس، فقد كان في قمة عطائه، وحينما صار الاتجاه الإسلامي دولة وسلطة ظل الطيب هو الطيب ينافح ويدافع عن دينه لم يخف من سلطة ولم يغريه سلطان أو مال أو جاه، وهذا هو ديدن علماء الأمة ومؤسساتها لا ينتمون ولا يدافعون إلا عن هذا الدين العظيم.
ألا غفر الله لكل من نافح منهم وتجاوز عن ميتهم، ووفق وأعان من عاش على منهجهم.
صحيفة الانتباهة