على امتداد شارع الخرطوم مدني، وبالقرب من مستشفى سوبا، تحتاج أن تنعطف شمالاً باتجاه الشرق لتكتشف هذا المكان، ربما بأنفاس مبهورة، سوف تتحسس وضع قدمك، لابد ستفعل ذلك، هنالك شيء جميل ونظيف، دعك من اللافتة، مركز أبحاث المايستوما التابع لجامعة الخرطوم، الاسم يوحي بأنه مركزاً طبيًا، وهو كذلك بالفعل،
لكنه بالداخل، وجه ناهض للبلد، مختلف كلياً عما هى عليه المشافي، يقدم التشخيص والعلاج لمرضى المايستوما دون مقابل، لا أحد يعرفه، أعني المرض، قليل من الناس وكثير من المختصين، والمرضى أنفسهم يشعرون بورم في أطرافهم، وأحياناً لا يشعرون به، فيموتون في صمت، ويهال عليهم التراب، لذلك سُمي بالقاتل الصامت، فقط تتورم القدم عن طريق البكتيريا أو الفطريات الناتجة عن وخز الشوك، وينتشر المرض أكثر عندنا في ولاية الجزيرة وسنار وفي النيل الأبيض، أنا أتذكر وخز الشوك في الفَسحات القديمة، وعندما كُنا نتجول بين التقنت وأبوعشرين، حفايا، بعد مدة من الزمن، يصاب أحدنا بورم في قدمه، ثم يختار البصير لعلاجه، ويعمل فيه أدواته التقليدية القاسية، ثم يعرج وهو لا يلوي على شيء،
أنظر صورة الممثل البارع فضيل تنبئك بالأمر، لكن هذا المركز، الخليق بأن نكرمه، يتعامل مع مرضى من داخل وخارج السودان، لتميزه، ليس فقط في توفير العلاج والمقابلات المجانية وإنما يقوم بأشياء أخرى مفيدة باعثة على الدهشة، مثل الرعاية الصحية والنفسية الكاملة، وتجربة “ساعد” المتمثلة في توفير فرص للعمل وتدريب مرضى المايستوما وتشجيعهم لخوض غمار الحياة وقبول التحدي، ويضم المركز أكثر من 13 ألف مريض مسجل، يتم حفظ ملفاتهم في نظام إلكتروني، لكننا حين نفذنا الى هنالك، رأينا مكان يضج بالأمل ومشتل للزهور، ومشغل للمصنوعات الجلدية والخياطة والمخبوزات،
ورأينا البروفيسور أحمد حسن فحل، وهو من علماء السودان في مجال الجراحة، يخيط المكان جية وذهابا، وبخيال فذ خلاق وهِمّة عالية وتواضع مُذهل يدير هذا المركز، كما لو أنه بيته، يعتني بكل شيء، وبشاعرية أيضاً كما لو أنه عبد الرحمن الريح الذي ندّ عن مألوف شعراء الحقيبة، المخطوفين بأمدرمان حبيبتهم، فكتب ود الريح للخرطوم، لأول مرة تقريباً، وتغنى بها حسن عطية “زانت أرضها وأصبح بعضها ينافس بعضها ألوآن الزهور” وبإمكان البروف أن يفر بمواهبه وهو أحد أشهر و أهم مراجع دراسة الطب في العالم، حد أنه حلّ هذا العام في المرتبة الأولى كأفضل الباحثين في السودان، وضمن 2% من أفضل الباحثين حول العالم، وفقاً لتصنيف “أدساينتفيك إندكس”، لكنه يحب السودان حباً جما، فقرر أن يبقى في بلده ويجاهد مع الناس، بلا منَّ وأذى، يذكرنا بمؤلف ليونارد بوسفيلد ” طبيب السودان الخْيَّر الأرُستقراطي”.
عزمي عبد الرازق