*أعاقبك بالصمت.. ولكني في الحقيقة أعاقب نفسي أولاً، فالأمر يحتاج مني أن أبذل كل يوم جهد الأنبياء حتى لا أنهار أمام انفعالاتي الداخلية، وما يعتمل بخاطري من حنق مشوب بأسئلة مشروعة تبحث عن إجابة.
لم يعد أمامي خيار سوى صومي عن الكلام.. فالخوض في جدالات ممجوجة معاك لا يسلمنا سوى للاختصام والخلافات المعلنة بنتائجها غير المحمودة العواقب. لم أعد أريد أن أرفع صوتي في حضرتك بالقدر الذي يرفع معدلات ضغطي واحتمالات إصابتي بالذبحة الصدرية.. رغم أن هذا الصمت المؤلم قد يصيبني حتماً بالسكتة القلبية ليكون سكوتاً أبدياً.
ترى لماذا أصبحت علاقتنا على فوهة بركان؟.. لماذا داخل كل منا مرجل يغلي في انتظار رفع الغطاء؟.. لماذا تتصيد أخطائي وأترقب هفواتك؟.. لماذا هذا العداء الذي يغلف وجودنا معاً في أي مكان؟.. كيف تحولنا أندادا بعد أن كنا أحبابا؟! وهل للأمر علاقة بالرتابة والملل الذي تفرضه العلاقات المشروعة طويلة الأمد أم شعورنا بالإحباط وسوء الاختيار وصدمة كل منا في الآخر؟
*لا أنتظر منك تحديداً الإجابة.. فأنت تفتقر – في نظري – للموضوعية وستجدها حتماً فرصةً ملائمة للتهكم وإسقاط المسؤولية إجمالاً على رأسي على اعتبار أني السبب الحقيقي في الأزمة العاطفية التي نحياها بحسب اعتقادك. ولا أعرف على وجه الدقة هل هو اعتقاد نابع عن قناعة مطلقة أم أنه أيضاً مجرد محاولة جديدة لاستفزازي، والنيل مني في إطار هذه الحرب المشبوبة؟!، فإن كانت هذه قناعتك فعلاً فسيكون هذا آخر المطاف، أما إذا كان ذلك منك لمجرد المناكفة، فسيدل على أنه هناك بعض الأمل في أن تشفى هذه العلاقة المسكينة من هذا الوباء الذي هجم عليها.. فالرجل الذي يمعن في استفزاز المرأة ويجتهد في إغاظتها هو بلا شك لم يفقد بعد اهتمامه بها وتفكيره فيها.
*في كل الأحوال.. يبقى الصمت ملاذي الأخير بعد أن باءت كل محاولاتي للتواصل الإنساني معك، والوصول لحل جذري يرضي جميع الأطراف ويحدد الشكل الطبيعي الحميم لهذه العلاقة الوطيدة.
يمكنك أن تسمي هذا الصمت هروباً إلى حين.. أو هدنة طويلة الأمد.. أو عقوبة مشروعة آمل في أن تجدي معك نفعاً، فإن كان حبك لي لا يزال مشتعلاً تحت الرماد، فسيعيد هذا الصمت والجفاء له جذوته كونك ستفتقدني لا محالة.. وستستعيد ذكرياتي الطيبة معك وأنت تعقد المقارنات بين ما كنا عليه وما أصبحنا فيه.
أما إن لم يحدث.. فلن يعدو الأمر كونه حباً مات.. فالحب أيضاً يموت بفعل الصمت والإهمال.. ولم تكن الأولى سوى نتيجة للثانية.
وحتى يتحدد موقفك من هذه العلاقة الشائكة القابلة للانفجار.. سألتزم الصمت.. وأجعل وباءه ينخر عظامها ويستشري فيها.. حتى وإن كان على حساب أعصابي ومشاعري وطاقتي للاحتمال.. فالصمت أبلغ حين لا نقوى على نطق العبارة.. وفيه بعض الكبرياء.
*تلويح:
كلما اتسع الأسى.. ضاقت العبارة.
إندياح – صحيفة اليوم التالي