عبد الله مسار يكتب : أين الرضاء والقناعة؟

كثر الحسد وقل الشكر

يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله، قد لا تصدقني اذا قلت لك إنك تعيش حياةً أكثر بذخاً من حياة كسرى، وإنك أكثر ترفاً من إمبراطور فارس وقيصر الرومان وفرعون مصر وانها الحقيقة.

إن اقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان.

وأنت عندك سيارة خاصة وتستطيع أن تركب قطاراً وتحجز مقعداً في طائرة.

وإمبراطور فارس كان يضئ قصره بالشموع وقناديل الزيت، وأنت تضئ بيتك بالكهرباء.

وقيصر الرومان كان يشرب من السقا ويُحمل إليه الماء في القِرب، وأنت تشرب مياهاً نظيفة معقمة ويجري إليك الماء في أنابيب.

والإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز، وأنت عندك تلفزيون يسليك بمليون أراجوز. ولويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي، وأنت تحت بيتك مطعم فرنسي وصيني وعربي وأفريقي وألماني ومصنع مخللات ومعلبات وحلويات.

ومراوح ريش النعام التي يروح بها الخدم على وجه الخليفة في قيظ الصيف واللهيب، وعندك الآن مكانها مكيفات هواء تحول بيتك إلى جنة بلمسة سحرية بزر كهربائي، أنت إمبراطور، وكل هؤلاء الأباطرة والملوك لا يساوون في النعيم شيئاً بالنسبة لك الآن.

ولكن يبدو أننا أباطرة غلب علينا الطمع، ولهذا فنحن تعساء برغم النعم التي نمرح ونتقلب فيها، فمن عنده سيارة لا يستمتع بها، وإنما ينظر في حسد لمن عنده سيارتين.

ومن عنده سيارتين يبكي على حاله لأنّ جاره يمتلك بيتاً.

ومن عنده بيت يكاد يموت من الحقد والغِيرة لأن فلاناً لديه عقارات.

ومن عنده زوجة جميلة يتركها وينظر الى ما حرم الله.

في النهاية يسوق بعضنا بعضاً، ويقتل بعضنا بعضاً حقداً وحسداً.

ثم نلقي بقنبلة ذرية على كل هذا الرخاء، ونشعل النار في بيوتنا ثم نصرخ بأنه لا يوجد عدالة اجتماعية ويحطم الطلبة، الجامعات، والعمال المصانع، ويترس الثوار الشوارع بالانتربوك وأعمدة الكهرباء.

إنه الحقد والحسد وليس العدالة هي الدافع الحقيقي وراء كل الحروب.

فإذا ارتفع راتبك ضعفين فسوف تنظر إلى من ارتفع راتبه ثلاثة أضعاف، وسوف تثور وتحتج.

لقد أصبحنا أباطرة وتقدمنا كمدنية، وتأخّرنا كحضارة

ارتقى الإنسان في معيشته وتخلف في محبته.

أنت إمبراطور هذا صحيح، ولكنك أتعس إمبراطور إلا من رحمه الله تعالى بالرضاء والقناعة.

وصدق الله حين قال: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).

إذن لا بد من الرضاء والقناعة بما قسمه الله.

أيُّها السادة.. فعلاً نحن في نعيم ولكن لا نرى ذلك لأننا نقول هل من مزيد، وتركنا الحمد والشكر لله.

نسأل الله تعالى النعمة دون النقمة والرضاء والقناعة.

صحيفة الصيحة

Exit mobile version