منى أبوزيد تكتب : كيف يكتبون..؟!

“الكتابة مثل الشعوذة، لا يكفي إخراج أرنب من القبعة بل يجب عمل ذلك بطريقة أنيقة ومُمتعة”.. إيزابيل الليندي..!

ما قرأت نصاً باذخاً أمسك بتلابيبي قط إلا وانبثق في داخلي سؤالٌ عن التضاريس التي شهدت مخاضه، والمناخ الذي غلف فترة حمل كاتبه به، وحالة الطقس الذي صاحب ساعة ولادته. فالجلوس إلى الكتابة قبل شطحات العلم الحديث – وثورته المُثيرة للجدل في علم وظائف الأعضاء والأجناس – كان هو الفعل الإنساني الوحيد الذي يَتشارك فيه الرجل والمرأة متاعب الحمل وآلام المخاض وأوجاع الولادة..!

أضابير التاريخ أشبعت بعض فُضُولي فيما يختص بطقوس الكتابة عند بعض الكُتّاب الخالدين. الأديب الفرنسي “جوستاف فلوبير” كان يكتب بالملابس الرسمية، وعندما كان من حوله يستنكرون ذلك كان يقول لهم “أنا احتفل بنفسي”، أما “ألكسندر دوما” فقد كان ينزل إلى الشارع قبل الكتابة ثُمّ يأكل تفاحة قبل أن يشرع فيها. “فيكتور هوجو” كان يخلع ملابسه قبل أن يكتب ويجلس عارياً ثُمّ يطلب من خادمه أن يأخذ الملابس التي خلعها وأن لا يعود إليه إلا بعد ساعتين ينهي خلالها ما يود كتابته..!

الشاعر “أحمد شوقي” كان يكتب القصيدة قبل مطلعها ويترك المطلع للحظة ما قبل النوم. والفيلسوف أفلاطون كتب السطر الأول من مُحاورة الجمهورية خمسين مرة قبل أن يرسى على سطر. والأديب “آرنست هيمنجواي” كتب الصفحة الأخيرة من روايته وداعاً للسلاح أربعين مرة..!

ولأن المقال الصحفي – أي مقال- أدبي، اجتماعي، سياسي، فني، فلسفي، اقتصادي، هو قصة قصيرة على وجه ما، تحضر طقوس الكتابة كضيفٍ دائمٍ ثقيل ظل لا غنىً عنه لحظة كتابته. فإذا غاب الحرص العفوي على بعض الطقوس المُعتادة غَابَ القلق، وإذا غاب القلق عن لحظات الطبخ تحوّل المقال إلى وليمة باردة أو طبق هلامي لا يُثير شهية القارئ..!

كلّما قابلت أحداً من زملاء المهنة، ودَارَ بيننا حوارٌ تسلّل هذا السؤال إلى حديثي “كيف تكتب مقالك اليومي”، وقد خرجت من بعض الحوارات ببعض الإجابات غير الشافية. مثلاً الدكتور “كمال حنفي” – رحمه الله – كان يكتب مقاله اليومي طازجاً إلا في ظروف السفر. يجلس إلى الكتابة ساعة احتضار الشمس مع كوب شاي. أما الأستاذة “منى سلمان” فتكتب ساعة الضحى، والأولاد في المدرسة و”سيد الاسم” في المكتب..!

نسيت أن أقول إنني أبدأ معظم مقالاتي في وقت مُتأخِّر من اليوم مع فنجان قهوة. رحم الله أستاذنا “حسن ساتي” الذي كتب آخر مقالاته قبل رحيله بساعة، قال كلمته ومشى، قبل أن أسعد بسؤاله “كيف تكتب”..!

صحيفة الصيحة

Exit mobile version